Site icon IMLebanon

عندما تُنفق الدولة أموالاً إفتراضية قد لا تأتي أبداً

تبدو الحكومة، ومعها المجلس النيابي، في وضعية الحماسة المفرطة لاعلان انجازات تحت شعار عودة الدولة. لكن هذه الحماسة قد تخفي في طياتها أهدافا أخرى من ضمنها تسجيل نقاط تسبق الانتخابات النيابية، ولو على حساب الاستقرار المالي في البلد.

الواقعية تفرض الاعتراف بأن الترجمة العملية على المستويين الاقتصادي والمالي للمناخ الايجابي والمتفائل في البلد، بعد اعادة الانتظام الى عمل المؤسسات الدستورية والممارسة السياسية، لم تظهر في أي مكان حتى الان.

لا يوجد قطاع اقتصادي واحد استطاع أن يسجّل تقدماً في ادائه، بالتماهي مع المناخ السياسي الجديد. هناك آمال معلقة على ما سيأتي، لكنها غير مضمونة حتى الان.

ولا يبدو ان التطورات تشجع على الاعتقاد، ان الاوضاع المالية والاقتصادية سوف تشهد تحسناَ وشيكاً، استنادا الى المعطيات التالية:

اولاً – ان عودة السائح الخليجي بالزخم المطلوب، اصبحت موضع شك، خصوصا بعد حادثة خطف المواطن سعد ريشا في البقاع وما رافق عملية الخطف من تسليط الضوء على الأمن السائب في المنطقة. ومن ثم احباط العملية الانتحارية الارهابية في بيروت.

صحيح ان احباط العملية قبيل حصولها يدعو الى الارتياح، لكن الصحيح أيضا، أن وصول العملية الى مرحلة التنفيذ، وبواسطة انتحاري «صُنع في لبنان»، لا تريح السائح الخليجي الذي يخشى في الطليعة الوضع الأمني، وهذا ما أدركه الوفد اللبناني الرسمي خلال زيارة السعودية وقطر.

ثانياً – ان التسهيلات المطلوبة للقطاعين الصناعي والزراعي، خصوصا على مستوى التصدير الى دول الخليج، لم تتحقق رغم الكلام الجميل ولكن المُبهم في الوقت نفسه، حول هذا الموضوع. انتهت المفاوضات الى الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة المشاكل القائمة على هذا الصعيد، والتجارب السابقة في ما خصّ فعالية اللجان، غير مشجعة على الاطلاق.

ثالثاً – تراجعت الآمال المعقودة على الحصول على مساعدات وهبات في الوقت الراهن، وبالتالي، ينبغي الاعتماد على الذات لانقاذ الوضعين المالي والاقتصادي.

هذه الحقائق لا تعني بطبيعة الحال انتفاء مناخ التفاؤل، لكنها تعكس واقعا ينبغي عدم البناء عليه في زيادة الإنفاق، والتسابق الى تسجيل إنجازات شعبية، قد يتبيّن لاحقاً، وفي حال عدم تحسين مداخيل الدولة، انها شعبوية.وننتقل بالتالي الى وضع مالي قد يكون أشد صعوبة من الوضع الحالي.

مناسبة هذه التحذيرات تستند الى حالة الاسترخاء التي تتصرف بموجبها الحكومة والمجلس النيابي. يتم اتخاذ القرارات وتشريع القوانين التي تحتاج كلها الى أموال إضافية وكأن الخزينة قد أصبحت في وضع أفضل اليوم بسبب انتظام عمل المؤسسات الدستورية، وهو ما ليس صحيحا.

والتقرير الذي عرضه وزير المالية على النواب في لجنة المال، يؤكد هذا الامر، سواء لجهة العجز الذي تجاوز في العام ٢٠٠٦ ستة آلاف مليار ليرة، وهو رقم قياسي جديد يدعو الى القلق، أو لجهة تراجع الايرادات وزيادة الانفاق.

على سبيل المثال لا الحصر، اتخذ قرار بإنشاء صندوق دعم وتمويل تنفيذ قانون الايجارات الذي ينهي عقود الايجارات القديمة، وهو قرار قد يكون صائبا نظرياً، لكن السؤال هل تدرك السلطات مثلا ما هو المبلغ الذي تحتاجه لتمويل هذه العملية؟ وكيف يتخذ قرار التمويل من دون وجود ارقام لحجم المبلغ المطلوب؟ وأخيرا، من أين سيأتي التمويل؟

هناك أمثلة كثيرة تتعلق بقرارات وقوانين تشمل تثبيت موظفين، الى منح تقديمات، الى سلسلة الرتب والرواتب، كلها قضايا محقة لكنها مُكلفة، وتحتاج الى المزيد من الاموال، في حين ان الإيرادات تتراجع والانفاق يزيد.

صحيح ان المواطن يجب ان يحصل على حقه، اما حماية مالية الدولة فمن مسؤولية السلطات الحاكمة، لكن الصحيح أيضا ان انهيار الدولة سيسلب كل المواطنين حقوقهم.

اليوم، هناك موازنة ستتم مناقشتها، ينبغي ألا تتضمن ضرائب جديدة، وفق ما أعلن رئيس الجمهورية، على اعتبار ان تحسين الإيرادات سيتم من خلال تحسين جباية الضرائب والرسوم القائمة. فهل يمكن فعلا الاعتماد على الدولة في تحسين الجباية ومنع التهرب الضريبي.

النية موجودة لا شك، لكن الوقائع لا توحي بالقدرة على ذلك، لأن دولةً تفاوض الخاطفين بلطف وكياسة نادرتين لمدة أربعة أيّام لإطلاق مواطن مخطوف، يصعب التصديق انها ستقتحم قلاع أمراء السياسة، حُماة الفاسدين، وتحصّل حقوقها الضريبية بالكامل.

خلاصة الكلام، وبانتظار أن تُثبت الدولة قدرات غير واضحة المعالم حتى اليوم، عليها أن تتعامل مع الوقائع كما هي، والوقائع تشير الى عجز مالي كبير، والى اقتصاد مُرهق، والى قطاعات على حافة الانهيار. وعندما يتغيّر هذا الواقع، تستطيع الدولة بجهازيها التشريعي والتنفيذي أن تسترخي، وتعطي بعض الشرائح ما هو لها، ومن حقها.