IMLebanon

عندما قرروا تجاوز الجنرال.. للوقوف على باب «الإصلاح»

لا يُسأل ميشال عون حين يرفع سبابة الاتهام بوجه منظومة مصالح أطبقت على مالية الدولة مذ بدأ مزراب الدين العام ينزف المليارات هدراً وفساداً. فالرجل اختار هذه المواجهة عنواناً لمشروعه التحرريّ بعدما اكتملت مسيرة التحرير.

ولا يُحرج في خياراته حين يمسك غربال الإصلاح ليفصل القمحة عن الشعيرة، طالما أنّه قرر الدخول في شبكة السلطة العنكبوتية مسلحاً بهذا المبضع. نجح الجنرال أو لم ينجح، فتلك مسألة أخرى تستدعي نقاشاً معمّقاً، لكنه بالتأكيد يستحق وسام المحاولة.

ولكن أن يتسابق سمير جعجع وسامي الجميل على رفع شعار محاربة الفساد، فهو الاستثناء بعينه. صحيح أنّهما قادران على مواجهة أي تهمة قد تطال فريقيهما السلطوي بالإنغماس في وحول «المال الحرام»، وبمقدورهما أن يغسلا اليدين من تركة ثقيلة لم يشاركا في جرم ارتكاب خطيئتها، لكن استيقاظهما في هذه اللحظة بالذات على الخطاب الاصلاحي مثير للجدل. ولو أنّ هذه اليقظة حصلت قبل سنوات، لكان بإمكانها أن تكون أكثر فائدة وتأثيراً.

يمكن للرئيس الجديد لحزب «الكتائب» أن يجيب على هذا التساؤل بالإشارة الى أنّ هذه المسألة بالذات كانت في صلب خطابه الرئاسي يوم تسلّم مقاليد السلطة الحزبية من والده، لأنه يعرف تماماً أنّ «بقرة الدولة» جفّت من «حليبها»، وأنّه لا بدّ من وقف هذا النزيف بشكل أو بآخر، وبالتالي تغليب هذا المنطق على ما عداه.

وما لم يقله الشيخ دلّت عليه جموع الناس المتوافدة من كل المطارح الاجتماعية الى قلب العاصمة لتصرخ بصوت واحد إنها «قرفت» هذه الطبقة السياسية بكل تلاوينها. قد تختلف التقييمات حول نجاح تجربة الحراك المدني او فشلها، ولكن لا يمكن لأحد أن ينكر أن أبرز ما قدمته مشاهد رياض الصلح وساحة الشهداء، هو انعدام الثقة بين القاعدة والقيادات، وبأنّ الكوب قد طاف عن حدّه وقد يجرف معه كل الهيكل.

إذاً، لم يعد هناك من مجال للسكوت على الفظائع التي ترتكب في «مغاور» الدولة وبحق كنوزها المخفية، وصار الخطاب الإصلاحي مؤاتياً للمزاج العام للناس ويلبي طموحاتها، لا بل مطلباً شعبياً لا يمكن تجاوزه، وانما على العكس لا بدّ من احتضانه.

هكذا يُفهم تركيز الجميل في عهده الأول على أن تكون مكافحة الفساد واحدة من أولويات برنامجه الحزبي، ليس قولاً فقط وانما فعلاً. يستعد فريقه الحقوقي لتقديم شكوى قضائية باسمه ضدّ مجهول حول كل الارتكابات التي سجلت في ملف النفايات. هو لم يسمّ شركة «سوكلين» بالاسم، لكن الشكوى تفعل ذلك كونها تلاحق عدم التقيد بشروط العقد، والهدر في المال العام، وعدم المراقبة في تنفيذ العقد.

بنظر الكتائبيين، فإنّ هذه الخطوة ليست مناورة أو تسجيل موقف، لأنّها ستكون ملاحقة من جانب الحزب بكل تفاصيلها. صحيح أنّ المسؤولية تصبح على عاتق السلطة القضائية، لكن البيت المركزي لن يقف متفرجاً على أي خلل قد يقع في المسار القضائي.

المسألة لن تقف هنا. يجهز الحزب مركزاً متكاملاً لرصد مكامن الفساد في كل مواقع الدولة والعمل على ابرازها أمام الرأي العام وفضح الفاسدين واتخاذ صفة الادعاء حيث تدعو الحاجة.

يقول هؤلاء إنّ هذا الاجراء ليس من باب عرض العضلات أمام الرأي العام لاستقطاب المتعطشين الى بناء دولة حديثة، ولكنه تحدّ جديّ لاثبات نيّة الحزب في المضيّ بهذا النهج، وهو يعلم جيداً أنّ هذا الأداء قد يكلفه الكثير من الأثمان السياسية، وهو لها.

ذلك يعني أنّ سامي الجميل لن يتكل فقط على ما يصله بالتواتر من أخبار عن فساد ومفسدين، وانما سيكلف فريق عمل متخصصا يتولى متابعة هذه المسألة بدقة. وهذا ليس بالأمر الغريب على الشاب الذي أثبت منذ عودته الى البيت المركزي انّه يفضل عمل المجموعة على العمل الفردي.

قبل جلوسه على كرسي والده وجده من قبله، اختار الشيخ سامي عدداً من الشباب ليكون فريق عمله ومساعديه في شتى الشؤون، وهو لا يزال على النهج ذاته ويسعى الى تعميمه في الحزب على كافة المستويات.

يعمل الشاب داخل البيت المركزي بصمت. يدرك أنّ مهمته صعبة جداً ليعيد زعامة الحزب وموقعه في الشارع المسيحي، ويرصد بهدوء كل حركة وكلمة وخطوة يقوم بها «خصمه وحليفه» سمير جعجع الذي يعمل على الانتقال من رقم 2 عند المسيحيين الى الرقم 1.. ويعد بتقديم البطاقة الحزبية خلال الأسابيع القليلة المقبلة لنحو 5000 شاب وشابة انضموا الى الصيفي.

على خلاف ما ظنّ كثر، لم يقد الرئيس الجديد انقلاباً في الحزب على نهج وثوابت والده أو استراتيجيته. يحافظ عليها على طريقته. التغيير طال الدينامية والمقاربة لا أكثر. سامي أكثر وضوحاَ من والده وأكثر صراحة، ويتجنّب التغليف الملوّن للمواقف ويفضّل أقصر الطرق للمواجهة، ويعرف ماذا يريد من تحالفاته وكيف يحاصر ضغوطها.

وهو لذلك يرضي طموحه بالمطالبة باللامركزية الموسعة لتكون علاجاً جذرياً للأزمات الحاصة، ويتلقف مبتسماً خطة أكرم شهيب لمعالجة أزمة النفايات وقد ارتكزت على هذا المفهوم لتستعين بقدرات السلطات المحلية وتطلق أيديها.

هكذا لم يتوان عن التهديد بالاستقالة من الحكومة حين اكتشف أنّه تعرض للخديعة على طاولة مجلس الوزراء بسبب عدم رفع النفايات من منطقة جبل لبنان والاكتفاء بتنظيف منطقة بيروت الادارية، ما استدعى تدخل الحلفاء وفي مقدمتهم رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق لتطويق الاشكالية.

كل ذلك يعني أنّه لن يسمح للمزايدة بأن تتخطاه أو تزركه في الزاوية، لا سيما وأنه مستعد للتضحية بالكثير من المكاسب في سبيل تحسين وضعه الشعبي.