يشكو العديد من النواب الحقوقيين، وغير النواب، من الظاهرة الجديدة التي أطلقت من بين ظهراني الازمة اللبنانية المتعددة العناوين والمصادر، وتمثلت في استباحة محرمات الجلسات الحكومية في الحفاظ على سرية الجلسة، من خارج ما يصدر في البيانات الرسمية وما يكلف به الوزير المختص.. ففي قناعة هؤلاء النواب ان «المخالفات الدستورية والقانونية من قبل العديد من الوزراء، كثرت وعلى نحو غير مسبوق، ضاربين «عرض الحائط» التقيد بالقواعد والنصوص الدستورية والقانونية»، الأمر الذي يحتم العمل على التنبيه من مخاطر هذه الظاهرة ووضع حد للمخالفات المتوالية ولا يأبه بها كثيرون..
أكثر من مرة فاتح رئيس الحكومة تمام سلام، الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وحقوقيين، خصوصاً وأن مجلس النواب قد أقفل أبوابه أمام المراقبة والمحاسبة، وأخذ اجازة مدفوعة الثمن غير محددة في الزمان.
ما وصلت اليه المشاورات والدراسات هو ان ما يجري داخل جلسة مجلس الوزراء من مناقشات ومداولات، هي ذات طابع سري، وبالتالي لا يجوز تسريبها الي الخارج، او نشرها او الاعلان عنها.. وهذه مسألة تتصف بها الأنظمة التي تعتمد «الديموقراطية البرلمانية» ولا تحيد عنها، وهي باتت في صلب «الاعراف الدستورية..» المبنية على قاعدة سرية الجلسات المطبقة في غالبية دول العالم، وعلى نحو دقيق وحازم..
ينقل مرجع حقوقي حكومي ونيابي عن مرجعيات دستورية ذات اسهامات بالغة الأهمية في علم «القانون الدستوري» قولها إن «قاعدة السرية مطبقة في مختلف بلدان العالم بصورة محكمة للغاية، حتى ان البعض ذهب الى القول إنه «يعتبر فعل أي وزير يدون (خارج التكليف الرسمي والصلاحية) ما يحصل في الجلسة بأنه خرق لقواعد السرية، وغير مقبول و»مدان أخلاقياً» خصوصاً اذا ما تم تسريب هذه المدونات الى الخارج»؟!.
في غير مرة، شعر الرئيس سلام بالحرج، وهو يطلع على التسريبات في الاعلام، حيث غالباً ما تأتي هذه التسريبات متلائمة مع مصلحة وأغراض وغايات الوزير المسرب.. وهو أكثر من مرة نبّه الى هذه الظاهرة متمنياً اعتماد المثل القائل «المجالس بالأمانات..» لكن هذه التمنيات بقيت حبراً على ورق، وما ان تنتهي جلسة الحكومة حتى يرفع وزراء محضراً الى الحزب او التكتل او التيار او الجهة التي يمثلها..
وأكثر من مرة أيضاً سئل رئيس الحكومة، الحالي، ماذا لو لم يصدر القرار بغير اجماع الوزراء، أي بالغالبية، فما سيكون عليه موقف الوزراء المعارضين او الذين تحفظوا على القرار.. هل يبصموا بالعشرة ويسلموا وكأن ما صدر يعبر عن مصالحهم، أم ان من حقهم «كشف المستور» وتبيان حقيقة الموقف، لاسيما وأن لبنان يقدم نفسه للعالم على أنه «نظام ديموقراطي»؟! لم يجد رئيس الحكومة جواباً، وهو سعى جاهداً لأخد رأي خبراء قانونيين ودستوريين، فكان جواب الغالبية من هؤلاء «أنه سعى جاهداً لأخذ رأي خبراء قانونيين ودستوريين، فكان جواب الغالبية من هؤلاء «أنه بعد تصويت الأكثرية على القرار، يكون لزاماً، قانوناً وعرفاً وأخلاقاً، على الأقلية الالتزام بما صدر من قرارات ويتوجب على هذه «الأقلية» ان تنضم الى رأي الأكثرية، حيث المبدأ وحسن سير عمل مؤسسة مجلس الوزراء يحتم عدم وجود معارضة داخل الحكومة، خصوصاً بعد التصويت واتخاذ القرار وتسجيله؟!
في لبنان ظاهرة، باتت موضع درس ومتابعة، وقد كشفت مسألة النفايات وغيرها من مسائل، ان الوزير في الحكومة بات يمثل «حزبه» او «تياره» او تكتله او منطقته.. وهو مسؤول ازاء هؤلاء.. الأمر الذي يفسر هذا الحجم من التسريبات، وهذا العدد غير المحدد من قرارات تصدر عن وزير ولا تلتزم بها زارات أخرى او وزراء اخرون.
في جلسة اللجان النيابية أول من أمس، التي انعقدت للبحث عن مخرج لأزمة النفايات في الضاحية الشرقية والمتن وكسروان، قدّم وزير الزراعة المكلف متابعة ملف النفايات، أكرم شهيب الى الجلسة جدولاً بتجارب الدول الاوروبية (تحديدا) في هذا المجال وطرق المعالجة، طالباً التدقيق فيه.. وما ان انتهت الجلسة حتى هبت الأصوات معترضة او متحفظة.. والقرار الذي صدر عن مجلس الوزراء في 12 آذار الماضي، وكان شبه اجماع عليه، أعيد الى التداول من جديد بحجة ان «أموراً عديدة تعترضه.. ليفتح من جديد باب اللامركزية، فتقرر دعوة اتحاد البلديات المعنية الى اجتماع (اليوم الاربعاء) في محاولة لم تتضح ركائزها.. وهكذا سارع النائب الكتائبي ايلي ماروني الى التصويب على قرار الحكومة التي انسحب منها وزيران من الكتائب، وكانوا وافقوا بالاجماع على القرار، ليقول ويستنتج من مطالعة الوزير شهيب ان هذا الأخير «غير مقتنع بها لكنه في الوقت نفسه طالب بالبدائل..»؟!
إذا كانت القاعدة الدستورية والقانونية والعرفية تقول بوجوب ان تنضم «الأقلية» في مجلس الوزراء الى رأي الأكثرية، إذ لا يوجد معارضة داخل الحكومة فإن نواب ووزراء الكتائب خرقوا هذا الحرم، الذي ساندهم فيه «التغيير والاصلاح» كما والطاشناق، لأسباب بحت «شعبوية»، على رغم اعلان رئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان تحفظه على «مثالية» حل مجلس الوزراء، مشفوعاً بالقول: «لا نريد ان يتحول ساحل المتن الى مكب ولا نريد ان تتحول شوارعنا أيضاً الى مكب.. ونحن منفتحون على كل الحلول..»؟!