Site icon IMLebanon

عندما يجتمع الغرور مع السلطة

 

 

مشكلة الرئيس سعد الحريري مع «الأخبار» لا نهاية لها كما يبدو. الرجل يرفض أي مراجعة تضعه في موقف المسؤول عن وقف رمي الوسخ تحت السجادة، ويستمر في لعبة رمي المسؤولية على الآخرين. موقفه من متابعة الإعلام، (اقرأ «الأخبار») لمناقشات الموازنة العامة والسياسات المالية والنقدية، يعيدنا الى النقطة الصفر: لا أريد إزعاجي!

الله وحده يعلم في كيفية إقناع الرجل بأن الغطرسة لا تفيد في مثل هذه الحالات. لكن ما نعلمه نحن، أن «التحفّظ» الذي نلجأ إليه للتورية وعدم قول كل ما هو معروف، يبدو أنه لا ينفع. ربما يريد أهل الحكم عندنا، أن نذهب في المواجهة معهم الى مرحلة الزاويا الحادة، لا مرحلة تدوير الزوايا.

لكنّ للحريري اليوم شريكاً جديداً في هذه اللعبة. كان رفيق الحريري يستفيد من أي تسوية مع السلطات السورية، لكي يعكسها تفاهمات مع شركائه في الحكم، من الرئيس نبيه بري الى وليد جنبلاط، الى شاغل قصر بعبدا. أما سعد، فلم يعد يرى في جنبلاط شريكاً مفيداً (وهو محق) ويعتقد أن تفاهمه السياسي العام مع حزب الله يمنعه من تسويات متكاملة مع الرئيس بري. لكنه وجد شريكاً وحليفاً استراتيجياً في إدارة شؤون الدولة: جبران باسيل، حتى صار بالإمكان اعتماد المثل القائل: وافق شن طبقة… علماً بأن «شنّ» هنا ليس بداهية، ولا «طبقة» من أهل الفطنة!

ما يقوله الرئيس الحريري علناً أمام الوزراء عن ضرورة وضع حد لـ«الأخبار»، قاله باسيل همساً في أذن وزير من حزب الله، طالباً التدخل لوقف ما تقوم به «الأخبار». وفي جانب آخر، يتولى معركة من نوع مختلف. عنوانها هذه المرة، «بهدلة» وزارة الخارجية، لاعتقاده أنه يقوم بـ«تربية» العاملين فيها. وهو قرر، أول من أمس، التصرف مع السفراء في الوزارة، على طريقة إدارته للتيار الوطني الحر. اخترع في حزبه محكمة حزبية، هي أشبه بمحاكم التفتيش، وصار يطرد فلاناً ويوبخ آخر ويهدّد ثالثاً. وهو في الخارجية، استدعى جهازاً أمنياً (لديه ضائقة مهنية) وجمع سفراء من موظفي الفئة الأولى، يتولّون إدارات أساسية، وأبلغهم أنه ينوي تأديبهم هم وكل الموظفين الآخرين، ثم حشرهم في غرفة مع عسكريين تصرفوا معهم كأنهم لصوص. وكل ما يقوم به، هو البحث عن مسرّب تقارير سفارة لبنان في أميركا الى «الأخبار». وهو يعلم بأن مسؤولاً في تياره السياسي يعمل في واشنطن (يتصرف على أنه أعلى من السفير هناك) هو من تولى توزيع نصوص المحاضر قبل وصولها الى وزارة الخارجية (بإمكان جهاز أمن الدولة أن يطلب مساعدة صديق للتدقيق في هذا الأمر). وما فعله المسؤول الحزبي في واشنطن كان هدفه «لطش» وزير «القوات اللبنانية» غسان حاصباني. ومع ذلك، فإن باسيل، الذي بالكاد يجد وقتاً للعمل في وزارة الخارجية، وهو لم يلتقِ معظم المسؤولين في وزارته منذ وقت طويل (قال سفراء إنهم يلتقون رؤساء الدول التي يعملون فيها وكل المسؤولين، لكنهم يكونون في حالة سرور عظيمة إن أجابهم باسيل على رسالة عبر تطبيق «الواتس اب». وفوق ذلك، لا يتوقف عن التحريض الطائفي في الوزارة، كما في خارجها. يتذرّع بالتراتبية، ولكنه لا يريد «كل جماعة الشيعة اللي فوّتهم بري» على الوزارة. وهو يعتقد أن السفراء الدروز «لازم يشكروا ربّن إنّو في إلُن وظائف». أما الآخرون من المسيحيين فخياراتهم محدودة: استبدلوا الولاء أو اجلسوا خلف المكاتب التي أختارها أنا لكم!

 

لم يعد جبران باسيل يختلف عن اركان السلطة المتحكمين بالبلاد والعباد

 

لكن للوزير النابغة مجموعة من المستشارين، بعضهم مغلوب على أمرهم. أمس، لم يجرؤ أيّ منهم على مكاشفة الوزير بشأن «فضيحة البهدلة» التي صارت مضرب مثل. وبعضهم عبّر بالصمت عن احتجاجه. لكنْ بينهم جديدهم الفهلوي أنطوان قسطنطين الذي لا يتورّع عن «تسريب» معطيات الى إعلاميين عن طبيعة التحقيقات الجارية في وزارة الخارجية. طبعاً، قسطنطين ينافس كل الآخرين في رفع شعار «نعم سيدي»، وهو يعد نفسه بمنصب سفير من خارج الملاك في أول فرصة ممكنة!

باسيل كان قد قال لوفد حقوقي زاره مطالباً بالدفاع عن لبنانيّةٍ معتقلة في مصر، إنه يعرف واجباته «وما حدا يحكيني بالرأي العام وبالإعلام… هول ما إلُن معنى عندي»، وهو ما يمكن فهمه بالنسبة إلى الإعلام، من خلال الحال التي وصلت إليها مؤسسات التيار الوطني الحر الإعلامية. من تلفزيون لا يشاهده أحد خارج جمهور التيار، الى موقع أخبار كان عنواناً سبّاقاً، ثم انتهى إلى لا شيء، الى مجموعة إعلاميين منتشرين هنا وهناك، لكن على طريقة «جماعة الدكتيلو» إياهم، علماً بأنه لا يوجد اليوم في التيار الوطني الحر مرجعية إعلامية يمكن لصحافي أجنبي يزور لبنان أن يتواصل معه لتحديد موعد مع منسّق قضاء هنا أو هناك. أما حال الكتلة النيابية، فهي على شاكلة الوزراء الذين يتصرف معهم على أنهم موظفون في شركته الخاصة، يوقّعون على براءات ذمة مسبقة له، وعلى استقالات يستخدمها متى يشاء، أو متى لا يلتزم أي منهم بتعليماته!

هل هذا ما ناضل من أجله العونيون، وهل هذا ما أراده العونيون والجمهور الرافعة للرئيس ميشال عون من هذه المعركة الطويلة؟

لكلٍّ الحقُّ في تصوّر ما يراه لنفسه مناسباً. أما من جانبنا، فلم يعد جبران يختلف مطلقاً عن بقية أركان السلطة المتحكمين بالبلاد والعباد، ونحن نتصرف معه على هذا الأساس.