مجلس الوزراء يناقش مشروع الموازنة للعام ٢٠١٥، من دون ما يضمن إقرار الموازنة في المجلس النيابي. ومكتب المجلس مدعو لتحديد المشاريع التي تستحق أن توضع على جدول الأعمال تحت عنوان تشريع الضرورة بسبب الفشل في اعطاء الأولوية لإكمال الشرعية. فلا قانون في أية دولة أهم من القانون السنوي للموازنة العامة. ولا مهمة للمجلس النيابي تتقدم على انتخاب رئيس للجمهورية يصعب أو يستحيل من دون ضمان الانتظام العام لعمل المؤسسات. لكن لبنان محكوم بتركيبة سياسية تركته بلا موازنة على مدى عشر سنين، ولا رئيس منذ ما يقارب السنة. وكل طرف يحمل الطرف الآخر المسؤولية، حيث اللعب على المكشوف: لا مشروع يُقر إلا اذا اكتملت شروط المحاصصة في صفقة. ولا شيء يوحي أننا عشية صفقة على الموازنة والرئاسة.
ذلك ان إنجاز قطع الحساب عن السنوات الماضية بدا كأنه مهمة مستحيلة لكي يستطيع المجلس إقرار قانون الموازنة الجديدة. والحكومات فضلت الانفاق على القاعدة الاثني عشرية، لأن سقف الانفاق مفتوح عملياً وإن كان محدداً نظرياً، حيث الاستنساب قوي والمراقبة ضعيفة والمحاسبة معدومة. أما انتخاب رئيس، بعدما ذهبنا بعيون مفتوحة الى فخ الشغور الرئاسي الذي هو هدف مهم للبعض، فإنه بقي أسير التزلج اليومي بين نظرتين: واحدة يرى أصحابها ان المسألة بسيطة جداً وليست في حاجة الا الى ذهاب النواب الى المجلس وتأمين النصاب. وأخرى يرى أصحابها ان القصة معقدة جداً، ومرتبطة بكل ما يدور بين القوى الدولية والاقليمية من صراع جيوسياسي ومن صفقات تبدأ بالملف النووي الايراني.
أليس أحدث ما فعلته بكركي التي جربت كل الوسائل هو دعوة سفراء الدول الكبرى ومطالبتهم بتكثيف الجهود للتأثير على القادة ودفعهم الى انهاء الشغور الرئاسي؟ أليس ما أعلنه السفراء في بيان مكتوب هو التزام دولهم حض القادة اللبنانيين على التزام الدستور واستخدام آلياته لانتخاب رئيس؟ ثم ما هو مشروع الموازنة الذي يناقشه مجلس الوزراء؟ أليس، بسبب الوضع المالي والاقتصادي الصعب، مجرد حساب دكان عجزه ٧٤٢٧ مليار ليرة، ومعظم نفقاته للرواتب والأجور وخدمة الدين العام وخسائر مؤسسة الكهرباء؟ ومن أين يمكن تلبية مطالب الناس والخبراء بسياسة اقتصادية ومالية تحقق النمو عبر زيادة الانتاج والاستثمار والبدء باطفاء الدين العام الذي تجاوز سبعين مليار دولار؟
اليأس قاد الى منتهى التواضع في الطموحات والمطالب. الموافقة على قانون موازنة، مهما تكن الارقام مخيفة، صارت إنجازاً كبيراً. ومجرد أن يصبح للجمهورية رئيس صار إنجازاً أكبر. ألسنا مشغولين بحرب اليمن ونحن في عجز عن الاشتغال بالضروري من قضايا الناس؟