قبل ان يعلن رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتورسمير جعجع انسحابه رسمياً من السباق الى منصب رئاسة الجمهورية، بدأ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، عملية جسّ نبض بين قوى 14 آذار وبعض قوى 8 آذار لمعرفة مواقفهم من ترشيح الرئيس الاسبق امين الجميّل، ولمّا لم يجد الفرصة متاحة امام الجميّل، دقّ سراً باب العماد ميشال عون، دون الرجوع الى احد من حلفائه المسيحيين، وعندما شاع خبر اللقاء الباريسي بين عون والحريري، كانت ردود فعل الحلفاء المسيحيين غير مشجعة، بل رافضة. واصرّ الحلفاء على استمرار التمسّك بمرشح من 14 آذار، وعدم الرضوخ لضغط التعطيل والفراغ.
أمس الأول، كان هناك لقاء بين الحريري، وبين مرشح تيار المستقبل وبعض قوى 8 آذار وبعض المستقلّين، النائب سليمان فرنجية، وصف اعلامياً بأنه كان «لقاء متجهّماً» فسّر بأن الحريري ابلغ فرنجية، بأفق النجاح المقفل في وجه ترشيحه، وان البلاد مقبلة على مأزق خطير، قد يترجم توتراً في الشارع. وبالتالي لا بدّ من أخذ خيار جديد سريع، تداركاً لما يمكن ان يحصل منذ اليوم وحتى 13 تشرين الاول المقبل. بما يعني انسحاباً ناعماً من دعم ترشيح فرنجيه، ودقّ باب عون مجدداً، ربما، ولكن هذه المرّة من ضمن وضوح كامل مطلوب، يشبه السلّة التي يطالب بها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، واذا فشلت هذه الخطوة، فان سعد الحريري، وفق ترجيح نائب حليف لتيار المستقبل، سوف يتخذ موقفاً ليس بعيداً عمّا نصحه به صديقه وحليفه النائب وليد جنبلاط.
ان المقدمة القصيرة التي توجّت مقالي، وعدتُّ فيها قليلا الى الماضي، كانت ضرورية، للتأكيد على صحّة ما كان يقوله مسيحيّو 14 آذار، بأن اخلاء ساحة الترشيحات لمرشحي 8 آذار، سيقسم قوى 14 آذار، وسوف يعطي 8 آذار سابقة مجانية بالتنازل عن موقع الرئاسة الاولى الى الخصم السياسي الأساسي، وسوف يكون من الصعب مستقبلاً استعادة ما تمت خسارته، واذا عدنا الى ما اعلنه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في لقائه مع قرّاء العزاء عشية حلول شهر محرم، بأن «هناك فرصة بوجود مرشحين من 8 اذار، يجب الاّ تفوت» وعندما يتخذ تيار المستقبل قراراً بانتخاب عون، نستطيع عندها ان نتفاهم مع حلفائنا، بما يعني ان السيد حسن عندها «سيتفاهم» مع الرئيس بري والنائب فرنجيه وغيرهما بالنزول الى مجلس النواب وانتخاب العماد عون رئيساً، الأمر الذي لم يكن على استعداد للقيام به اذا لم يقدم «المستقبل» على انتخاب عون.
* * * * *
على اي حال، وكائنا من سوف يسكن القصر الرئاسي في بعبدا، فان هناك امرين يجب التوقف عندهما والاشارة اليهما على انهما سيميّزان العهد المقبل، الاول ان رئيس الجمهورية المقبل، سوف يحكم وطناً تحت الدرس دولياً واقليمياً، ووطن نصف شعبه من غير اللبنانيين، ووطن بؤرة فساد وفقر وجريمة وغلاء وهجرة ومحسوبيات، ووطن الانتماء اليه وجهة نظر والعيش فيه «الشاطر بشطارتو».
امّا الأمر الثاني، الذي سوف يؤلم عدداً كبيراً من اللبنانيين، فان ما يسمّى بثورة الارز او انتفاضة الارز، ستكون من الماضي الذي يلفّه النسيان الكامل، لأن جمهور 14 آذار وقيادات 14 اذار، التي عاشت سقطات السنوات الاربع الماضية، فقدت وحدتها، وفقدت زخمها وفقدت صلابتها، تحت ثقل اخطاء بعض قياداتها.
كثيرون يحبّون العماد ميشال عون، ويتمنّون وصوله الى قصر بعبدا، وكثيرون لا يحبونه ولا يتمنّون وصوله، لكن على جميع اللبنانيين ان يدركوا، ان رئيساً اسمه الفراغ يسكن في قصر بعبدا، منذ انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان، ولكن هذا «الرئيس الفراغ» له انصار في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب، ومؤسسات الدولة واداراتها، وعند بعض الاحزاب والتيارات. وحيتان الفساد، لذلك، ورغم كل شيء، لا يمكن الاّ ان يتابع اللبنانيون سعي الرئيس الحريري، لملء الفراغ برئيس جمهورية، بكثير من الأمل لمنع الوصول الى الكارثة الكبرى.