أفاق العالم فجأة على لاديموقراطية آل سعود. ليست قصة جمال خاشقجي بالأمر البسيط. الرجل يدفع فقط ثمن عدم مبايعته محمد بن سلمان. وما هي إلا ساعات قليلة ويكشف لغز الرجل الذي بات ضحية جديدة من ضحايا الحكم الوهابي المقيت. وقد يرتفع صوت الاعتراض، بالتزامن مع حملة دونالد ترامب الانتخابية، والتي قرر فيها أن يكون استجلاب الأموال من السعودية عنواناً ساخناً. المسألة هنا ليست في أن ترامب رجل أرعن، لا يقف عند حد. لكن المسألة تكمن في أن آل سعود يشكلون المادة الأكثر دسامة في هذه المناسبات. ومع ذلك، فهل يتوقع أحد، أن تغير أميركا سياستها تجاه أكثر الحكام في منطقتنا قذارة وإجراماً؟
التضامن مع الصحافي خاشقجي، أمر بديهي، وكل اختلاف معه في الرأي والتصور، لا يحجب حقيقة أنه يدفع ثمن عدم انصياعه، وأن حياته تساوي كلمته. لكن، قد تكون قضيته مناسبة لإعادة فتح النقاش حول كيفية ردع هؤلاء المجانين، وحول كيفية إجبارهم، لا محاورتهم ولا إقناعهم، على ضرورة مغادرة مربع الشر الذي يقيمون فيه.
وكي لا نذهب بعيداً، فإن ما ارتكبه أبناء سعود في دول الجزيرة العربية نفسها، ثم في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، بالإضافة إلى مصر وشمال أفريقيا، وصولاً إلى مذبحة اليمن، كله يفرض نقل المواجهة معهم إلى مستوى آخر، فيه من الوضوح والتحدي ما يلزم أحرار هذه الأمة برفع منسوب العداء لهم إلى أعلى مكان. وإلى اعتبار بقاء هذا الحكم، سبب تخلف بلادنا وقهر شعوبنا. وما شعار إسقاط حكم آل سعود إلا دعوة لإنقاذ عشرات ملايين العرب، ومئات ملايين المسلمين في العالم. فهؤلاء، انتقلوا في إجرامهم، إلى مستوى غير مسبوق، فيه علامات المعركة الوجودية. لكن الذي لا يعرفه هؤلاء، أن القوى المختلفة معهم، لم تغادر موقع القتال الدفاعي حتى اللحظة. وكل النشاط السياسي والدبلوماسي لخصوم السعودية في العالم، ليس سوى محاولة لتفادي الأسوأ، حتى القتال في اليمن وفي بعض دول المنطقة، لم يخرج عن إطار الدفاع ومنعهم من فرض مشروعهم التدميري. وإذا كانت إمارات الجزيرة العربية تمارس التقية مع آل سعود، فتبتسم لهم أمام الشاشات وتلعنهم في دواوين الليل المغلقة، فهذا لن يستمر على هذه الحال طويلاً، فكيف، ومحمد بن سلمان، لا يقبل بأقل من مبايعة وطاعة الجميع، ومن لا يقبل، يرفع السيف في وجهه؟
الأخبار الآتية من العراق، تحكي الكثير عن أنشطة آل سعود الدموية هناك، وعن احتراف الفتنة بين أهل الرافدين. وبرغم أن قيادات «عراق ما بعد صدام» يتحملون مسؤولية كبيرة عما يصيبهم، نتيجة قصورهم، وتعنتهم، وعدم احترامهم لشعبهم، وغرق كثيرين منهم في ألعاب الفساد والمذهبية والتعصب والتبعية… لكن الذي يقوم به رجال آل سعود يستهدف تخريب كل شيء لا يقع تحت حكمهم. هكذا هو حالهم اليوم مع قطر، التي ينظر بن سلمان إليها كواحة تتبع داره. ومع أن حكام قطر، يحتاجون إلى قرون من الندم، لغسل أيديهم من دماء السوريين والليبيين، إلا أنهم دفعوا إلى مواجهة الحائط، لأن ابن سلمان قرر أنهم مجرد خطأ يجب تصحيحه بإلغاء هذه الدولة من أصلها. وهكذا هو حال ابن سلمان مع أهل الكويت الذين يتعرضون لأكبر عملية ابتزاز. يهددهم باستقرارهم الداخلي إن لم يدفع حكامهم الأموال التي تغطي التزاماته مع الغرب. أما البحرين، فصارت «البلد الرهينة» لحكام تلفهم الحقارة، واحتلال سعودي يمنع أهل البحرين من الحرية. فيما تعيش الإمارات أخطر لحظات تاريخها السياسي. ولا أحد يعرف، متى تنطلق شرارة الانفجار، برغم كل جبروت أبناء زايد على شركائهم من الإمارات الأخرى. من دون أن ننسى حقد آل سعود على سلطنة عمان، وتهديدهم لها بدفع ثمن عدم الخضوع، وإبقاء الطرق مفتوحة مع بقية العالم من دون رضاه.
بات آل سعود رمز الشر أينما حلوا أو وصلت أيديهم
وها نحن نشاهد موت اليمن، حيث يريد آل سعود تحويل أبناء الجنوب إلى مرتزقة يقاتلون باسمهم، ويقتل أبناء بقية اليمن يومياً بالنار والجوع والمرض. بينما يجري استغلال فقر أبناء القرن الأفريقي، لتحويلهم إلى قطاع طرق في خدمة الأمير. ويقبل السودان رشوة مقيتة مقابل الآلاف من خيرة أبنائه العسكريين الذين يقتلون لقاء حفنة من الدولارات.
أما في بلاد الشام، فهزيمة آل سعود في سوريا لم تكتمل بعد. ويظهر ابن سلمان استعداداً لإنفاق المزيد من أموال القتل، نكاية بخصومه من محور المقاومة. وهو مستعد لإدخال لبنان في مستنقع الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي، إذا ما قرر اللبنانيون عدم الالتفات إلى أوامره، فكيف إذا وصل الكلام إلى فلسطين، حيث تظهر الوثائق المسربة من وزارة الخارجية السعودية، أن ابن سلمان كان سباقاً في مقترحاته لتحقيق صفقة القرن.
لقد فاق جنون آل سعود كل تصور، وما على الطرف الآخر إلا إطلاق البحث في تغيير جذري لقواعد الاشتباك، ما يجعل الخيارات الأشد إيلاما الوسيلة الأكثر نجاعة لكبح مجنون أو عزله!