حسمت المادة (69) من الدستور في الفقرة (ه) إعتبار الحكومة مستقيلة عند بدء ولاية مجلس النواب، وهذه هي الحال في الحكومة الحالية التي يرأسها الرئيس سعد الحريري، الذي جمع التكليف بتأليف الحكومة المقبلة إلى جانب تصريف الحكومة الحالية الأعمال.
إلاّ انّ حدود تصريف الأعمال لم يرسمها المُشرّع “إسمنتياً” بل جعلها أقرب الى المطاطية، بحيث تطول أو تقصر تبعاً لعاملي استمرار تيسير المرافق العامة من جهة والشؤون الاضطرارية الضاغطة، سواء الأمنية أو المالية أو الاجتماعية.
وترى مصادر وزارية على صلة بدائرة القرار، أنّ العوامل الثلاثة تتكثف معاً تمهيداً لانعقاد حكومة تصريف الأعمال، بعدما باتت مسألة تأليف الحكومة الجديدة ضرباً من المستحيل في ظل التعقيدات الإقليمية من جهة والجشع والكسل عند اللاعبين المحليين المعنيين بالتأليف من جهة اخرى.
ـ أمنياً، شكّلت الاعتداءات الإسرائيلية المتمادية، وآخرها بلوكات العديسة، فضلاً عن الخروقات الجوية التي وصلت إلى حد تهديد حركة الملاحة الجوية أثناء استهداف طائرات العدو الصهيوني الأراضي السورية من الاجواء اللبنانية، عاملاً اساس لانعقاد المجلس الأعلى للدفاع، وهو شكل من أشكال الحكومة الأمنية المصغّرة التي تضم، إلى جانب الوزراء المعنيين، القادة العسكريين والامنيين.
ـ مالياً، بعد تحذيرات وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل المتتالية ودقّه ناقوس الخطر المالي الذي لامس حدود العجز عن دفع رواتب الموظفين وخدمة الدين العام، عُقد اجتماع ثلاثي في “بيت الوسط” حضره، إلى الحريري، كل من خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهو أشبه بخلية مالية، رسمت خريطة التعاطي المالي والنقدي في حضور طيف مؤتمر “سيدر” الذي عُقد في باريس العام الماضي، وما يعوّل عليه المعنيون لإنعاش الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من كدمات متتالية وموجعة، من ارتفاع الفوائد عالمياً إلى الاضطراب السياسي محلياً، والذي تجّلى في العجز عن تشكيل الحكومة فضلاً عن عجز ميزان التجارة.
ـ إجتماعياً، دفع المنخفض الجوي، المسمّى إعلامياً العاصفة “نورما”، إلى اجتماع وزاري مصغّر برئاسة الحريري، ضمّ إليه المحافظين، في ما يشبه حكومة اجتماعية مصغّرة.
وعليه، بين اجتماع مجلس الدفاع الأمني وجلسة “بيت الوسط” المالية الثلاثية وصولاً إلى خلية ما بعد “نورما” الاجتماعية، يبدو أنّ التئام الاجتماعات الثلاثة على هيئة حكومة تصريف الأعمال قد اقترب، والفتاوى الدستورية أعدّ لها رئيس مجلس النواب، مستعيناً بما سبق وأقدمت عليه حكومة الرئيس الشهيد رشيد كرامي.
وعليه، وإذا لم تدخل مسألة انعقاد الحكومة في بازار النكد اللبناني بين الأطراف، سواء من رئاسات أو مرجعيات وأحزاب، فإنّ حكومة تصريف الأعمال في طريقها إلى الانعقاد لإقرار موازنة العام 2019، وأبعد من ذلك، لملء الفراغ الذي سيطول إذا ما طالت معه التسوية الإقليمية وأساسها سوريا وعودتها إلى جامعة الدول العربية في آذار المقبل من البوابة التونسية.
أما في تحديد المواعيد، فإن لفريق الرئاسة الأولى مصلحة في انعقاد الحكومة قبل القمّة الاقتصادية العربية في 19 الجاري، فيما للرئاسة الثانية رغبة في الانعقاد ما بعدها، لوقوف الرئيس نبيه بري في صف الجهة الداعية إلى تأجيل القمة، اما الرئاسة الثالثة والمتمثلة بالحريري، فيبدو انّها ارتضت لنفسها دور المتفرّج على الرئاستين الأولى والثانية، مفضّلة الصمت على الأقوال والأفعال.