IMLebanon

عندما تتجاوز اليرزة الأعراف والتقاليد… خدمة للتغيير

 

شيء غريب يحصل. دهشة على عيون المسمرين امام شاشات التلفزيون كما عند المدعوين الى حضور العرض العسكري في ساحة الشهداء. غموض يزداد واسئلة، احدا لم يتجرأ على البوح بها، كلما اكتمل عقد وصول كبار ضباط الجيش اللبناني. صورة اكتملت مع وصول قائد الجيش. «فعلتها اليرزة». كسر لكل القواعد والاعراف، الاستعاضة عن البزة رقم واحد الحلية المخصصة للاحتفالات الرسمية ببزة ميدان يرتديها الجميع للمرة الاولى. حتى مدير عام قوى الامن الداخلي ومدير عام امن الدولة حضرا ببذة العمل.

واذا كان لحن التشريفات وصوت قائد العرض قد بشرتا بوصول العماد قائد الجيش فان تقدمه لتأدية التحية معتمرا «قلنسوة» المغاوير القرقمزية اللون سحرت الحاضرين، فوفقا للتعليمات الجديدة كل ضابط مغوار يرتدي «البيريه النبيذية» حتى لو شكل خارج فوج المغاوير. انه الوفاء والتقدير لرفاق سلاح بدأ خدمته من بين صفوفهم واكتسب سمعته العسكرية لقتاله الى جانبهم.

باختصار انها جزء من قصة جيش جديد شكلا ومضمونا. القصة كل القصة منذ اليوم الاول لقرار التغيير الايجابي الذي قررت قيادة العماد جوزاف عون اعتماده مع توليها مهامها، حيث كان من اول المطروح تغيير بزة الميدان لاسباب كثيرة ابرزها: مبدأ التغيير بحد ذاته بعدما مر فترة طويلة على اعتماد النموذج القديم، ما سيخلق رؤية جديدة ونمط يتلاءم مع التحديث المقترح، الحاجة لبذة ميدان تلبي حاجة الظروف العسكرية الحالية، تحسين نوعية الهندام العسكري وتوحيده بعد «الفوضى» التي شهدتها الفترة السابقة نتيجة عوامل مادية وتجهيزية كثيرة.

عليه انقسمت الآراء يومها بين مرحب ومقتنع بما سبق ومتردد خوفا من الحملات التي قد تترافق وهكذا خطوة، الى ان حسم «القائد» القرار، وشكلت لجنة خاصة ضمت «فنيين» لانجاز المهمة على افضل وجه. كانت الخطوة الاولى تفترض اختيار «ترقيط» البدلة الجديد والذي يجب ان يحاكي طبيعة الارض اللبنانية مع الاخذ بعين الاعتبار التطور الذي لحق بالتنقيات العسكرية ووسائل المراقبة من مناظير واجهزة رؤية قادرة على التقاط البزة القديمة بسهولة، مستفدين على هذا الصعيد من تقنيات بذات المغاوير والمجوقل، والتي صممت بشكل يحتاج فيها المراقب الى حوالى السبع ثوان لتتمكن عينه من رصدها.ليصار بعدها الى تصميم بدلة عصرية تأخذ في الحسبان راحة العسكري وما يحتاج اليه منها ،فكانت الجيوب المدروسة والموزعة وكذلك «قصتها»، على ان تعتمد «البريه» السوداء اللون.

ومع انجاز هذه النقطة وضعت المعايير والمواصفات للقماش الواجب اعتماده ليزاوج بين الجودة العالية والكلفة المتدنية، فكانت البزةtactical ، بطريقة digital  تراعي ما سبق ذكره، من الوان متداخلة ومتدرجة دون ان تكون بارزة. كذلك اعطيت مسألة الرتب والشعارات اهتماما خاصا فاستبدلت الشارات الحمراء على الرتب السابقة كدلالة لحيازة درجة «اركان»، والمعتمدة في الجيوش العربية، بشارة سوداء اللون توضع عند وسط «الجاكيت» الى الاعلى، كما اولي موضوع الرتب اهميته، فاصبحت باللون الاسود ما يصعب عملية التعرف من بعد اليها، وهي مشكلة طالما عانى منها الضباط سابقا والذين كانوا يعمدون الى نزعها خلال العمليات القتالية لتفويت فرصة استهدافهم من قبل العدو.

نهاية المرحلة الاولى اعادت النقاش حول الهجمات والاخبار التي ستتعرض لها المؤسسة مع الانتقال الى الجزء العملي وهي عملية الانجاز الفعلي للمشروع، في وطن كثرت فيه الصفقات والسمسرات وقل فيه اعتماد القانون والشفافية، في ظل روائح الفساد المنبعثة من عشرات ملفات التلزيم والتي اتخذت الفساد فيها من «تراضي العجلة» ستارا له. الا ان موقف «القائد» وللمرة الثانية جاء حازما.

نعم للمغامرة، تلزيم وفقا للاصول ، انجاز بافضل جودة خياطة وفقا للمعايير التقنية الموضوعة، وبسرعة قياسية قبل عيد الاستقال. وضعت دفاتر الشروط وفقا لاعلى معايير وتقدمت الشركات التي يحق لها، لتفض المناقصة على ناجح واحد، تقدم بسرعة مضارب، اصاب «الهدف-الرقم» الذي حددته قيادة الجيش. فوز كان سيعرض العملية برمتها للتشكيك، لولا خطوة جريئة اقدمت عليها اليرزة. استدعيت المؤسسات التي شاركت في المناقصة وطرح امامها السعر الادنى الذي تقدم به الفائز وبحضوره، وسط تمن على الحاضرين اذا كان بالامكان خفض اسعارهم، فكانت المفاجأة، تقاسم ثلاث شركات الالتزام ، وفقا لنفس المعايير والشروط، على ان تجري الخياطة في المعامل الصينية لعدم قدرة المعامل اللبنانية على الوفاء بالالتزام ضمن المهلة المحددة، تحت رقابة مباشرة من القيادة اللبنانية، التي تكفلت بدفع ثمن البزة العسكرية .

وليكتمل الهندام العسكري الجديد كان لا بد من تجديد في لون وشكل الحذاء العسكري «الرينجر» ،بعدما شهدت موجة دخول «الصحراوي» على خط الوحدات القتالية «فوضى» الوان واشكال لا تعد ولا تحصى، فكانت دراسة مفصلة اخذت في الحسبان معايير طبية تسمح بتأمين راحة العسكري، حيث جرى تصميم الجزء السفلي من «الرينجر» في ايطاليا وفقا للدراسات التي اجريت والتي اخذت بأعلى المعايير بهذا الخصوص.

وللتذكير فان وحدات الجيش اللبناني ومنذ انشائه عام 1946، درجت على استعمال الحذاء العسكري الاسود اللون رغم التغييرات التي لحقت بلباس بعض الوحدات. وحده الفوج المجوقل ومن بعده المغاوير شذا عن هذه القاعدة، بارتداء حذاء عسكري ذات لون بني،قبل ان يعودا ويلتحقا بعد معركة نهر البارد ليلتحقا بباقي افواج الجيش الخاصة التي اعتمدت «الرينجر» الصحراوي.

وللتذكير فانه مع ولادة الجيش اللبناني في الاول من آب 1946 كان من الطبيعي ان يكون لباسه العسكري ذاك الذي تستخدمه القوات الفرنسية زمن الانتداب، فكانت بزة الميدان يومها معروفة «بالكاكي» نسبة للونها.

في تلك الفترة ومع سنوات الستين وانشاء فوج المغاوير ظهر على الساحة لباس مرقط جديد.

استمر الحال كذلك حتى عام 1980 مع انشاء فرع مكافحة الارهاب والتجسس الذي اعتمد كلباس له بزة عمل استوحيت الوانها من طبيعة الارض اللبنانية، وللعلم فانه الوحدة العسكرية الوحيدة التي لم يتغير لباسها منذ انشائها.

عام 1983 اعتمدت كل وحدات الجيش لباسا عسكريا موحدا، «المرقط» نفسه المعتمد في الجيش الاميركي يومها، بما فيها فوج المغاوير، لتظهر مع تلك الفترة الالوان المختلفة للقنسوة «البريه»، حيث اعتمد لونها الكحلي لوحدات الجيش، الاسود للواء الثامن، النبيذي لفوج المغاوير، الزيتي للواء العاشر المجوقل.

عام 1990 ادخلت القلنسوة الخضراء لافواج التدخل. وعام1994  البنية اللون.

عام 2008 تم استبدال لباس المغاوير باعادة العمل بما كان قائما عند انشاؤه، قبل ان تعود وترسو القرعة على البذة المعتمدة حاليا. كذلك الفوج المجوقل الذي شهد استخدام نموذجين قبل ان يتم اعتماد النموذج الحالي.

فيما استخدم فوج مغاوير البحر لباسه الحالي المستخدم في الجيش الاميركي، كما تستخدم احدى سرايا الفوج اللباس الاسود.

هكذا في الاستقلال الـ 47 وللمرة الثانية  منذ انشائه اعتمد زي عسكري جديد ليتم التغيير في الشكل بعدما بدأت معركة الاصلاح والتغيير في العقليةوالممارسة. هي نقلة نوعية في اطار خطة تحديث الجيش وصلت الى الشكل بعد سلسلة تغييرات ستظهر آثارها تباعا ويلمسها المواطنون والعسكريون، في رحلة تغيير لن يكون من السهل معها قلب ذهنية ما عادت تتناسب وقيام جيش عصري وحديث يتجاوب ومتطليات الحرب الحديثة. فهكذا توحدت «البدلة» واصبحت على قياس الكل. فهي اساسا «من الكل وللكل وكرمال الكل.

قيادة الجيش وايمانا منها بضرورة ايصال رسالتها الجامعة التي تقف خلف كل نشاط او عمل تقوم به ، اطلقت حملة اعلانية، خاصة بالبزة الجديدة، هدفها تذكير اللبنانيين بانه مهما كبرت الاحزاب والطوائف فان بزة الجيش تبقى «عمقاس الكل». علما ان الاعلان لم يرتب على الخزينة اللبنانية اي اموال او اعباء.

يوم عيد الاستقلال كان ثمة من يتندر بان احد الاولاد جاء الى والده ليخبره ان المدرسة قررت ان يلبسوا يوم العيد بزات عسكرية سعر الواحدة 50$ ، وبما انهم ثلاثة فان على الوالد ان يدفع 150$. عندها انتفض الوالد نظرا لضيق الحال، وقال لابنه: «بابا لبسوا مدني وقولوا للمدير انكم مخابرات».

اليوم ومع اقتراب اليوم الاول من الـ 2018 سيرتدي الجميع البزة الجديدة ومن بينهم رجال المخابرات. لباس موحد بكلفة غطتها قيادة الجيش بسعر رمزي اقل بثلاث مرات من كلفة سابقتها  القديمة. فهل يعقل ذلك؟ انها عجائب العهد «العوني» في اليرزة…. والحبل على الجرار.