كلّ ما سمعناه منذ اندلاع أسوأ أزمة علاقات يشهدها لبنان مع محيطه العربي، خصوصاً مع راعيته المملكة العربيّة السعوديّة، لا يعدو كونه «ثرثرة» ستقود إلى تأزيم الوضع مع المملكة التي تنتظر «موقفاً» يتّخذه لبنان تضامناً مع نفسه أولاً، فالبيت اللبناني إن لم يتمّ تدارك هذه الأزمة سيتحوّل إلى «جهنّم عربي» كما أسماه بالأمس رئيس إتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد شقير، محذّراً من أننا «نتجه الى كارثة اقتصادية لا يتحملها لبنان»، ومطالباً الحكومة العاجزة «أن تخاف على اللبنانيين وعلى ما تبقّى من الاقتصاد الوطني»…
للأسف؛ أكد اجتماع المجلس الوزاري بالأمس أن الحكومة لا تجرؤ حتى على التفكير بتقديم اعتذارٍ للمملكة عن الخطيئة التي ارتكبها وزير خارجيتنا جبران باسيل بحقّها، ولأنّ الحكومة لن تجرؤ حتى على طرح مجرّد فكرة الاعتذار بسبب وزيريْ حزب الله أولاً، فإنّه ومن المعيب والمشين والمخزي أن لا يعتكف رئيس الحكومة تمام سلام، فالسعوديّة بثقلها الإسلامي هي راعي «الطائفة السُنيّة» في لبنان، وبقاء تمام سلام لحظة واحدة إضافيّة من دون أدنى تحرّك وموقف حقيقي يأخذه سيدفع ثمنه لاحقاً عندما يُغرقه الشارع اللبناني بالنفايات ويطالبه وحكومته بالرّحيل!!
وما بعد «اعتكاف» أو «استقالة» رئيس الحكومة، هناك فريق لبناني عليه أن يتّخذ موقفاً صارماً جداً، وهو فريق تيار المستقبل، فمن الواضح أن لا الزيارات ولا العريضة المليونية والتي صنّفتها الصحف السعودية بـ»الفولكور»، المطلوب «موقف رجال»، فلينسحب وزراء المستقبل من الحكومة، أضعف الإيمان إن لم يريدوا تقديم استقالتهم -إن كانوا متمسكين بكراسيهم إلى هذا الحدّ- أن يعلنوا امتناعهم عن المشاركة في جلسات هذه الحكومة التي تحوّلت ستارة «قذرة» يتغطّى بها حزب الله لممارسة كل شروره في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وغيرها من الدول العربية المستهدفة من المشروع الإيراني!!
أطالب وزراء تيار المستقبل بالاعتكاف أو الاستقالة، ولا يضحكنّ أحدٌ علينا بمقولة «المواجهة من الدّاخل» إذ لا مواجهة مع حزب الله من داخل الحكومة ولا من خارجها.. وهنا؛ أودّ أن أتوجّه إلى الرئيس سعد الحريري -مدركة تماماً حجم العبء المُلقى على كاهله- لأقول له: يا دولة الرئيس بالأمس وصف سلوك حزب الله وما يفعله في المنطقة العربية بـ»الإرهابي والإجرامي»، وفي نفس الوقت مساء أوّل من أمس كان تيّار المستقبل «يُكارم» الرئيس نبيه برّي ويرضخ مجدداً ويجلس مع حزب الله في جلسة حوار، كان من المفترض تعليقها أو تأجيلها أو إعلان تجميد الحوار مع حزب الله، هذا هو الموقف، لا أن نتحاور مع حزب يُعادي كبرى دولنا العربية، ثمّ نجلس مع هذا الحزب «العدوّ» ونضيّع الوقت في حوار لن يُفضي إلى مكان!! المطلوب موقف رجال لا مجرّد كلام.. كلام.. كلام!!
حان الوقت، لاتخاذ هذه المواقف، وبأسرع وقت ممكن، إلا إذا كنتم عاجزين عن اتخاذ موقف فهذا أمر آخر، وهنا عليكم أن تضعوا جمهوركم في صورة هذا العجز وتصارحوهم بأسبابه، وخلّوا عندها بين اللبنانيين وبين حزب الله، فالعائلات التي يعمل أبناؤها في الخليج العربي تشعر بحسراتٍ ومرارات، ويتجرّعون «الذّل» الذي بات يغلّف لقمة أبنائهم ولقمتهم.. هؤلاء يسألونكم: «ما ذنب أبنائنا إن كنتم عاجزين»؟؟
استقيلوا.. غير مأسوف عليكم ولا على هذه الحكومة التي للمفارقة تسمّت باسم «المصلحة الوطنيّة»!! فسّروا لنا لماذا هذا الانبطاح أمام حزب الله، إلى أين ستقودنا هذه الخسائر والتنازلات؟ ها نحن نخسر العالم العربي، وأنتم تتفرجون وتثرثرون فقط!!