IMLebanon

أين رجال الدولة؟

 

 

عبثاً تحاول الحكومة اقناع الرأي العام أنها فعلاً حكومة مستقلين إختصاصيين كما يرغب رئيسها أن يصفها في الوقت الذي هي أشبه أن تكون رهينة لدى القوى السياسية التي دعمتها بصورة مشروطة وتنتظرها عند كل منعطف لتذكرها بهذه الحقيقة المرة ملوحة لها بورقة الاسقاط أو التطويق بالحد الأدنى في حال عدم الاذعان والقبول.

 

فعدا عن أن تركيبة الحكومة وضعت معظم “أصحاب الإختصاص” خارج مواقع اختصاصاتهم، فإن طريقة عملها تعكس الكثير من التردد والتباطؤ، ويعزز ذلك آلية عملها التي ترتكز على تشكيل عشرات لجان العمل المحاطة بالعشرات من المستشارين. وتغرق اللجان في النقاشات النظرية العميقة كأنها تمارس تمارين فكرية منفصلة عن الواقع الراهن وتحدياته وغالباً ما لا تسلك توصياتها طريقها إلى مجلس الوزراء لإتخاذ القرارات المناسبة والمطلوبة والفورية بخصوصها.

 

لذلك، يشعر المواطن اللبناني أن وتيرة العمل الحكومي بطيئة وغير قادرة على مواكبة المخاطر والتحديات والصعوبات العديدة التي تواجه لبنان ليس في ما يتعلق بانتشار فيروس “كورونا” فحسب، بل أيضاً في ما يتصل بحراجة الوضع المالي والنقدي الذي كان ضاغطاً بشدة (ولا يزال) على اللبنانيين قبل تفشي الوباء ودخول لبنان والكرة الأرضية قاطبة في حالة غير مسبوقة من الحجر المنزلي.

 

والأشد غرابة ما يمارسه رئيس الجمهورية وفريقه السياسي الذي حوّل الحكومة إلى حقل تجارب، يدفعها للإتجاه في مسار معين وعندما يكتشف احتمال انعكاس هذا المسار سلبياً على شعبيته (وليس بالضرورة على المصلحة العامة، فالشعبية تأتي في المرتبة الأولى تليها الاهتمامات الوطنية)، تراه يتنصل منه ويسحب دعمه له ويترك الحكومة تواجه قدرها وحيدةً بعد أن يكون قد نفض يديه من قراراتها وخياراتها.

 

لا يستطيع تيار سياسي أن يطرح نظرية “الرئيس القوي” مؤكداً على دوره المحوري في الحياة الوطنية والسياسية والدستورية، ويعطّل عمل المؤسسات لعامين ونصف لإنتخابه، ثم يتبرأ من خيارات الحكومة التي تعقد أكثر من نصف جلساتها في القصر الجمهوري في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية وتحت ناظريه.

 

صحيحٌ أن إتفاق الطائف أعاد رسم الصلاحيات الدستورية وتوزيعها بين المؤسسات، إلا أن رئيس الجمهورية لا يزال يتمتع بصلاحيات وازنة ومن أبرزها ترؤسه لجلسات مجلس الوزراء حين يشاء، وهو ما يجعله شريكاً في السلطة التنفيذية ومسؤولاً عن قراراتها حتى لو لم يشارك في التصويت عليها.

 

لقد توافرت أمام الحكومة فرصة هامة بعيد تشكيلها وهي التفاوض المباشر مع صندوق النقد الدولي الذي بات ممراً إلزامياً لإخراج لبنان من أزمته المالية والنقدية (بمعزل عن تأييد هذا الخيار أو رفضه ووضعه في إطار خطة الاستكبار العالمي لإلقاء القبض على البلد)، ولكن التردد والمراوحة أجهضا هذا الخيار أو بالحد الأدنى جعلاه أكثر صعوبة بسبب تفشي “كورونا” ولجوء عدد كبير من الدول للصندوق، وأيضاً بسبب “تبخّر” مفاعيل مؤتمر “سيدر” لأن الدول والجهات المانحة التي تعهدت تقديم الدعم صارت أولوياتها في مكان آخر فضلاً عن أنها لم تلمس جدية الحكومة اللبنانية في إطلاق الإصلاح، اللهم إلا في الاجتماعات التي تكاد تتخذ طابعاً فولكلورياً ومنها الإجتماع الأخير الذي عقد في القصر الجمهوري مع سفراء مجموعة الدعم الدولية.

 

قيامة لبنان لا تحتاج إلى فولكلور (رغم أهميته التراثية في ذاكرتنا الوطنية المجروحة التي تعيدنا اليها ذكرى 13 نيسان الأليمة كل سنة)، بل تحتاج إلى رجال دولة يصنعون التاريخ من خلال الجرأة السياسية والأدبية والقرارات الوطنية. ولكن… هذا نصيبنا!