الأزمات ليست مستجدة في لبنان. اعتدناها في مختلف مراحل حياتنا السياسية. ولولا الإتهام بالمبالغة لقلنا، وبضمير مرتاح، لم يمر يوم على هذا الوطن من دون أزمة أو إثنتين، وربما أكثر!
الأزمات تفرِّخ عندنا كالفطر. وتتناسل كالأرانب. وتعمّر كالخالدين! إلاّ أننا كنّا نتجاوز الأزمة إن لم نكن قادرين على حلّّها. كنّا نطوي صفحتها من دون أنّ نمحوها. صحيح أن الأزمات كانت تتفاقم في غياب الحلول الجذرية، ولكن البلد كان يمشي.
أما اليوم فنقف أمام الأزمة حائرين، عاجزين عن إبتكار أيّ حل… حتى حلّ -اللاحل أي طي الصفحة موقتاً لتستمر العجلة في الدوران.
إننا في عقم فكري، وفي عقم سياسي، وفي عقم وطني، وفي قحط في الرجال الأفذاذ الذين كانوا يتصدّون للأزمات باقتراحات حلول، وأقله بعقد لقاءات ومصالحات. كانوا يتنقلون بين مواقع التشنّج ليقرّبوا وجهات النظر. كانوا ينقلون من المتشنّج الى المتشنّج الآخر الكلام المعسول وليس الإنتقاد اللاذع.
أمّا اليوم فالكل شامت في الكل. والجميع ينتظر الجميع على كوع التشهير والتسعير في الخلافات. وإذا تدخّل أحد فإنما ليزيد في الطين بلة وفي السعير وقوداً فتأججاً!
كان عندنا كوكبة من الرجال الوطنيين فعلاً، من ذوي العلاقات الطيبة مع المرجعيات كافة. لم يكونوا في حاجة الى سمات دخول أو جوازات سفر ليتنقلوا من مقام الى آخر، ومن موقع الى ثان، ومن «زعلان الى عتبان»!
أمّا اليوم، فليس من «طرف ثالث». وليس من «قوة ثالثة». وليس من باحث عن حلول وطنية.
لم يعد من أولئك الرجال أحد؟!
وينن؟!
فعلاً أين هم؟!
معظمهم قُبضوا الى ربّهم في عليين. ومن أراد أن يقوم مقام بعضهم أو أحدهم واجهته صلافة هذا الزمن الذي نُكبنا بأهله منذ أن تولّى أمرنا والشؤون (في مرحلة ما بعد الحرب) أقوام لو شاء عبقري أن يختارهم ليسيئوا الى الوطن لبحث ليلاً ونهاراً من دون أن يجدهم!
إن تشكيل الحكومات في لبنان. قبل الطائف كان عملية في غاية البساطة: يجتمع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف (بعد استشارات غير ملزمة، والأصح شكلية) فيقرر الرئيس الأول ويوافق الرئيس الثالث، والكل مرتاح… وكان أركان المعارضة أقطاباً شعبيين أكثر من أركان الحكومة، أو بالتوازي. ولم يكن الحكم «جنة» ولا جبنة». كان تكليفاً ومسؤولية، ولم يكن تشريفاً ومغنماً.
وأما قبلان عيسى الخوري وهنري فرعون وبيار إده ويوسف سالم فكانوا «الأطفأجية» الذين سرعان ما توجه خراطيم مساعيهم الى حيث تشتعل الأزمات، ويطفئونها!