العظة النارية التي اطلقها البطريرك بشارة الراعي في قداس امس الاحد، كانت الاعنف منذ سنوات، ولو ان صاحب هذه العظة كان صحافيا او مواطنا عاديا، او حتى فاعلية درجة ثانية كانت قامت قيامة الدولة وانتصب ميزان العدل، وانتفضت الاجهزة القضائىة والامنية لملاحقة من تجرّأ على الطبقة السياسية الحاكمة وعلى القضاء، ولم يستثن الراعي احدا عندما قال اننا على تنوّعنا نعاني من البرص في جميع انواعه.
كم كان الراعي يشعر بالغضب وهو يتكلم عن الرشوة المالية الرخيصة لقضاة، والتدخل السياسي في الاحكام بجميع انواعه، والافراط في السلطة، والتدخل في الادارة العامة والقضاء، وسلب اموال الدولة.
تقصير الحكم منذ سنوات، وميوعة مواقفه وقراراته، وخضوعه للتسويات والمحاصصة، وعدم الالتفات الى ما يشكو منه الشعب، وتركه الفساد يستشري في كل مفصل من مفاصل الدولة، اوصل لبنان الى ما وصلنا اليه اليوم، ركود اقتصادي، فساد، محسوبية دين هائل، هجرة شباب وادمغة، عقم في العلاج.
في وسط هذه الدوّامة المخيفة، تحاصر الحكم ضغوط خارجية، بعضها من الجيران الاقربين، الذين لا يخفون اطماعهم بلبنان، وبعضها من دول متمسحة لا تعرف سوى مصالحها، حتى ولو كانت على حساب شعب، وبعضها يريد تغيير هويته ونمط عيشه، وان يكون جزءا منها، والتعاسة ان اللبنانيين منقسمون على ذواتهم بين لبنانيين بالاسم والفعل همّهم كيف يحافظون على لبنان وطنا سيدا كريما حرا ولبنانيين لا يمانعون في تقديم مصالح دول اخرى على مصلحة بلدهم، طالما ان مصالحهم الخاصة مؤمّنة من هذه الدول، والخلافات هذه تتفجّر كل يوم بينهما، وعمرها من عمر الحرب في لبنان حتى الساعة ومن تابع جلسات الثقة بالحكومة في مجلس النواب، واستمع الى الملاحم في هجو الفساد، لم يستغرب كثيراً الحرب الصغيرة التي اشتعلت بين حزب الله وتيار المستقبل حول الفساد والفاسدين، والتي ما تزال قائمة وانخرط فيها افرقاء آخرون، لأن التجارب المتعددة علّمت اللبنانيين، ان الانقسام المتوارث اصبح فالجاً غير قابل للعلاج او للشفاء، وزكّى هذه الحقيقة انغماس رجال الدين، كلّ في موقعه، في شدّ إزر ابن مذهبه او ابن طائفته، وارتفعت عند الطرفين نبرة التحدّي والاتهامات، بحيث غطّت على الفساد ذاته، ومقابل احتضان رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة من قبل المفتي دريان، بخط احمر، ممنوع تجاوزه، ردّ امين عام حزب الله السيد نصرالله بموقف عالي السقف، اكّد فيه ان حملتهم مستمّرة «ويمكن ان تتوقعوا منّا كل شيء» وكثر فسّروا هذا القول بانه يتعدّى التوترات السياسية الى ما هو ابعد.
الى اين نحن ذاهبون؟!