بين لائحة البيارتة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري والتي تضم الأحزاب كافة وتراعي المناصفة، ولائحة «بيروت مدينتي» التي ألّفتها مجموعة من المجتمع المدني المستقل والمختص، تبقى مصلحة العاصمة الهمّ الأكبر وقدرة اللائحة الفائزة على تنفيذ مشروعها هي التحدّي الأكبر!
ولا يخفى على أحد، هواجس أهل العاصمة، حتى أقرب المقرّبين من تيّار المستقبل، حول الاستمرار في الدائرة السياسية المفرغة التي أثبتت عقمها عبر السنين. فالدخول في تحالفات وإرضاء الأحزاب على حساب مصالح بيروت باتا غير مقبولين بعد الغبن المتمادي الذي عانت منه المدينة وأهلها، لأن الكيدية هي غالباً النتيجة النهائية والتعطيل للمشاريع ومحاولات الإنماء الخجولة هو سيّد الموقف، وغياب السياسات المحفِّزة والمستقطبة للاستثمارات، والتي هي بدورها النافذة الوحيدة القادرة على خلق فرص عمل، ليس لأهل بيروت فحسب، بل لكل المقيمين فيها والقادمين من مختلف القرى والأقاليم، كان العائق الأكبر أمام المجالس السابقة.
إن التحالفات الإنتخابية الآنية أثبتت عبر التجارب العديدة، السياسية منها والخدماتية، عقمها، بدءاً من مجلس نواب معطَّل، مروراً بمجلس وزراء تمّ التوافق على تأليف حكومته حتى انبرى كل طرف بعدها على التعطيل والمزايدات الرخيصة والتي غالباً ما كانت تصبّ بعكس المصلحة الوطنية العامة.
وبالتالي، ما هي الضمانات، في ظل التهديدات العونية الأخيرة بالإنسحاب وفرض رقابتها الخاصة مما يعني تعطيلها الخاص. إذاً ما هي الضمانات أنه سيُتاح للمجلس القادم هامش حرية يخدم قضايا بيروت ويُبعد البلدية عن التجاذبات السياسية، وهل كُتب للبيارتة دفع فاتورة التوافق والحفاظ على العيش المشترك عند كل استحقاق؟ فلِمَ يتوجّب عليهم إنتخاب أسماء تطرح مشروعها على أنها هيئة رقابية وليست جزءاً من فريق عمل؟؟
ومن جهة أخرى، في حال فوز اللوائح المستقلة الأخرى أو حتى في حال أحدثت خرقاً، ما مستوى الإنتاجية المرتقبة في ظل سلطة سياسية متحكِّمة بمفاصل القرارات، حيث ستكون العاصمة الضحية الأولى للكيديات والتجاذبات المتوقّعة!
إن الإنتخابات البلدية 2016 ليست الفرصة الذهبية ليتم استغلالها لشدّ العصب المذهبي، ولا للنيل من الزعامات والقيادات، إنما هي فرصة لا تفوّت، في ظل الحركة البنّاءة التي أطلقها المجتمع المدني لكسر القوالب الجامدة وتحرير العمل البلدي من السياسة وحصره بالخدمات التي باتت أكثر من ملحّة في ظل العبء السكاني (من وافدين ونازحين) في بيروت وأزمة إقتصادية تقضي على ما تبقى من قدرة لمواجهة الظروف الحياتية والإجتماعية الصعبة. ولا بدّ من استثمار هذه المبادرة حتى آخر قطرة وبغضّ النظر عن نتائج صناديق الاقتراع، لأن المرشحين هم أصحاب كفاءات ممكن أن تشكّل نواة جهة رقابية محايدة وجدّية، تؤسّس لما يطمح إليه غالبية اللبنانيين من عمل مؤسساتي منتظم ومنتج، وهو حجر أساس ممكن أن تبني عليه السلطات السياسية، خاصة الفريق الحريص على عمل المؤسسات وبناء الدولة التي دفع الرئيس الشهيد رفيق الحريري دماءه الغالية ليبقى لبنان وطناً للجميع، وتبقى بيروت عاصمة الإنفتاح والكرامة في آن، ويستمر الأمل في مستقبل أفضل، لينتشل شريحة كبيرة من اللبنانيين يئست من إمكانية الخروج من دوّامة التعطيل، وأحبطت من الفراغ الرئاسي وغياب توافق على قانون إنتخابات، في حين ترجح القدرة على فرض الأمر الواقع ميزان القوى في دولة فرغت من مؤسساتها وغرقت قياداتها في رمال الكيدية والتفرقة المدمّرة.
إنها ليست فقط إنتخابات بلدية، بل هي حجر أساس لعمل مؤسساتي منتظم وشفاف قابل للمحاسبة من قِبَل أصحاب الحق والاختصاص، وليس من قِبَل المتطفلين على المدينة إذ أعمتهم حساباتهم المناطقية الضيّقة عن مفهوم العاصمة الحاضنة للجميع.