إذا أردت أن تعرف ما يحصل في لبنان، عليك أن تعرف ما يجري في جنيف، وما يجري هناك لخصه الرئيس الإيراني حسن روحاني بعبارة بسيطة بقوله ان التوصّل إلى حل سياسي للأزمة السورية سيستغرق وقتاً وينبغي تجنّب الإفراط في التفاؤل حيال ما ستفضي إليه المفاوضات، وهذا الكلام الواقع للرئيس الإيراني كافٍ وحده للاجابة على السؤال عن أسباب تعثر الحلول لأزمة الانتخابات الرئاسية، وعن أسباب الرفض المستمر لحزب الله لمبادرات التسوية المقدمة من زعيم تيّار المستقبل الرئيس سعد الحريري، ومن رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سميع جعجع والتي تقرُّ بالرئاسة الى فريق الممانعة وأساسه حزب الله، ومن دون أية شروط مسبقة ولا مطالبة بأية ضمانات مقابل هذا التنازل سوى إنجاز الاستحقاق لإعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية ومنع الانهيار الكامل الذي بات يدق أبواب الدولة بقوة، وأول هذه الأسباب وآخرها هو أن إيران التي نجحت في الإمساك بالورقة اللبنانية من بوابة حليفها حزب الله وحلفائه الآخرين على الساحة الداخلية لن تتخلى عن هذه الورقة إلا بعد حصولها على ثمن مقابل في سوريا وفي الإقليم، وهو ما تعكسه تصرفات حزب الله وتمسكه بموقفه الرافض لكل الحلول التي طرحت علی مدى سنة وتسعة أشهر لإملاء الشغور في رئاسة الجمهورية، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بما يحصّن لبنان ويقيه العواصف التي تهب من حوله، ويأتي كلام روحاني ليؤكد هذا الأمر ويضع حداً للذين ما زالوا يأملون أو يتأملون أن يسمعوا من حزب الله ومن أمينه العام السيّد حسن نصر الله غير ما سمعوه منذ أن بدأت الأزمة الرئاسية وحتى الآن.
لكن ذلك لا يعفي الآخرين والقيادات المسيحية والكنيسة المارونية من مسؤولية إيصال الحالة إلى أن وصلت إليه، وبالأخص رأس الكنيسة البطريرك بشارة الراعي الذي سلَّم في الأساس مفتاح المسيحيين إلى ما سماه الأربعة الأقوياء، وتركهم يلعبون بمصير المسيحيين وبمصير الوطن لمصالحهم وطموحاتهم الشخصية من دون أي اعتبار لأية مصلحة أخرى، ما ساهم في إيصال الوضع العام إلى هذا المأزق، وقدم خدمة مجانية لإيران ما كان يمكن أن تحصل عليها لو أحسن المسيحيون التصرف وتطلعت قياداتهم القوية بين هلالين للمصلحة الوطنية مثل التطلع إلى المصالح الخاصة، ومع ذلك لا يزال ثمة أمل ولو ضئيل أمام سيّد بكركي لإنهاء هذه الحصرية وفتح باب الرئاسة أمام كل القيادات والشخصيات المسيحية والمارونية تحديداً وما أكثرهم والدعوة فوراً إلى عقد اجتماع في بكركي يضمهم جميعاً دون استثناء وإطلاق موقف موحد ينقذ الرئاسة الأولى ومعها ينقذ لبنان، لا أن يبقى كما هو حاله يدق الأبواب ويرفع نداءات الاستغاثة ولا من مجيب.