IMLebanon

أين تعطيل المؤسسات  من موت السياسة ؟

كل شيء، اذا أخذنا بما نسمعه من الدول والقوى التي نراهن على أدوارها، يوحي أن الباب مفتوح أمام انتخاب رئيس للجمهورية. وكل شيء، اذا اكتفينا بقراءة الواقع من دون استقراء الوقائع، يؤكد أن الشغور الرئاسي طويل على طريق مفتوح للمزيد من التصعيد في اللعب بالأزمة التي عجزنا عن ادارتها قبل أن نحلم بحلها. مفارقة؟ لم يعد لحديث المفارقات معنى في بلد صار وجوده مفارقة، بعدما كان انجازاً تاريخياً في البحث عن حلول لما سمي المسألة الشرقية التي تعود بعد مئة عام بشكل أخطر وأعنف.

ذلك أن التركيبة السياسية التي راهنت منذ ربيع العام الماضي على تفاهم سعودي – ايراني يضع طبخة الرئاسة على النار، سمعت مؤخراً في وقت واحد من مسؤولين سعوديين وايرانيين كلاماً خلاصته: اسرعوا في انتخاب رئيس لأن ظروف المنطقة معقدة والمخاطر كبيرة. وهي سمعت يومياً مثل هذا الكلام من أميركا وفرنسا والفاتيكان وروسيا والاتحاد الأوروبي، وقالت يومياً أيضاً ما هو أكثر منه، واكتشفت أن غياب الرئاسة برهن على أهمية وجودها والحضور. لكن أي شيء لم يتحرك.

فضلاً عن ان التركيبة السياسية انتظرت في الوقت نفسه الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة ٥١ وما قيل عن رقصة تانغو جيوسياسية بين واشنطن وطهران لرسم النظام الاقليمي وتغيير المناخ في المنطقة بما يسهّل ترتيب التسويات التي بينها تسوية في لبنان أوسع من موضوع الرئاسة، فجاءها اتفاق نووي فقط زادت المواقف والحسابات حوله من تعقيدات الأوضاع. والجديد، ضمن الانتظار الدائم لنهاية حرب سوريا، هو انتظار الترجمة الجيوسياسية للدخول العسكري الروسي المباشر في الحرب، أقله لجهة التركيز على حماية التنوع والاعتدال وبالتالي التعبير الملموس عن ذلك في لبنان. لكن الأولوية في اهتمامات الرئيس فلاديمير بوتين تبدو لتوظيف حرب سوريا في رسم النظام العالمي الجديد على أساس التعددية القطبية بعد نهاية الأحادية الأميركية.

وقمة البؤس السياسي أن يصبح النشاط في لبنان هو زيارات السفراء للزعامات والمرجعيات الدينية والوزراء والنواب وما يقال بعد كل زيارة، ثم البيانات المكرّسة للأحزاب والتيارات والكتل النيابية بعد اجتماعاتها الدورية. فالمشكلة هي موت السياسة، لا مجرد تعطيل انتخابات الرئاسة وأعمال مجلس الوزراء والمجلس النيابي. وليس تعطيل المؤسسات ثم اعتبار الحوار من خارج المؤسسات نافذة مفتوحة على الأمل سوى تأكيد لموت السياسة. إذ ما معنى السياسة اذا صارت مجرد محافظة على الحصص في السلطة لجمع المال من دون مواجهة المخاطر ومعالجة قضايا الناس؟ وما قيمة السلطة اذا كانت ضعيفة يمارسها أقوياء؟