IMLebanon

إلى أين يأخذنا زعماؤنا؟

 

ماذا تعني كلمة إنتخاب؟ فـي معجم اللغة، إنتخبَ الشيء، يعني إختاره، وانتقاه. وانتخب فلاناً، يعني صوّت لصالحه، واختاره بإعطائه صوته فـي الإنتخاب.

إذاً، الإنتخاب هو الإختيار. فهل يسمح لنا القانون الجديد الذي وضعه جهابذة السياسة عندنا بالإختيار؟ وكيف يُمكن أن تختار؟ أنت مُلزمٌ أيها الناخب التعيس الحظ، بالتصويت للائحة كاملة بكلّ ما تحويه هذه اللائحة من أشكال وألوان وميول وصفات وتناقضات، ولا يحق لك تبديل أو تشطيب أيّ إسم مهما كان يزعجك هذا الإسم أو يناقض توجّهاتك وطموحاتك.

بمعنى آخر، أنت مُجبرٌ عزيزي الناخب أن تكون بنفس الوقت مع الآدمي والأزعر، مع نظيف الكفّ والفاسد، مع بواخر الكهرباء وضدّها، مع الخصخصة وضدّها، مع السلاح غيـر الشرعي وضدّه، مع «البلطجيّة» وضدّهم، مع المحكمة الدولية وضدّها، مع المتّهمين بالقتل والتفجير وضدّهم، مع العدالة وضدّها، مع القرار 1701 وضدّه، مع الحياد وضدّه، مع سيادة الدولة على أرضها وضدّها… كيف ستختار وكيف يُمكنكَ الإنتقاء؟ فإذا كانت اللوائح والتحالفات السياسية فـي هذا الزمن الرديء على «القطعة»، وحسب موازين القوى فـي كل دائرة، وحسب المصالح الإنتخابية وما تكسبه من مقاعد ، كما صرّح معظم زعمائنا الأبرار، ومن دون خجل أو حياء، فعلى أيّ قاعدة سيتمّ الإختيار؟

وأيّة مبادئ ستؤيّدها وتعمل لأجلها عزيزي الناخب؟ أنتَ هنا واقعٌ تحت مطرقة التحالفات الظرفية المُخجلة التي باعت كل المبادئ والتضحيات من أجل بعض المقاعد النيابية، ومن أجل سلطة مهترئة وساقطة وفاسدة. أنتَ هنا واقعٌ فـي حيرة وضياع لأنّ لا شيء يـجمع بيـن مرشـّحي اللوائح سوى الـمصلحة الشخصية الـخالية من أيّ رؤية وطنية متجانسة، أنتَ هنا بعيدٌ أشدّ البعد عمّا يجري في البلدان الديموقراطية العريقة التي تعتمد النظام النسبيّ، أنتَ هنا لستَ مع الحزب الإشتـراكي ضدّ الحزب الديموقراطي، ولا مع الحزب الديموقراطي ضدّ الحزب الجمهوري، ولا مع حزب اليسار ضد حزب اليمين أو مع حزب العمال ضد حزب المحافظين… انتَ هنا أمام مشهد نافر وأمام خلطة عجيبة غريبة لم تعرفها الديموقراطية من قبل، وأمام إنتهازية صاعقة لـم يشهد مثلها لبنان فـي عزّ أيام الوصاية.

عندما قلنا وكرّرنا مراراً أنّ القانون «النسـبيّ» لا يصحّ إلّا في البلدان التي تتنافس فيها الأحزاب على مبادئ وبرامج وتوجّهات سياسية ووطنية واقتصادية، ولا يجوز إعتماده فـي بلد مشرذم ومُقسّم على أساس طائفي ومذهبي ومناطقي وعشائري و»مصلحيّ»، ولا وجود فيه للأحزاب الوطنية العابرة للطوائف، لـم يصدّق كلامنا إلّا قلّة من السياسيين، وعندما قلنا إنّ ما يناسب لبنان فـي تركيبته الطوائفية والديموغرافية هو قانون الدائرة الفردية، أو الصوت الواحد لـمرشّح واحد، أو بأسوأ الأحوال «المشروع الأرثوذكسي»، قامت القيامة ولـم تقعد. وماذا كانت النتيجة؟

قانون إنتخابي نسبيّ هجين، مُفصّل على قياس قوى الأمر الواقع، ولا يشبه أيّ قانون نسبيّ فـي العالم، لا هو نسبيّ ولا أكثريّ بل خليط من الإثنين، ولا هو أرثوذكسيّ ولا علمانيّ بل فاقعٌ في مذهبيّته وفئويته وتعقيداته، فإلى أين سيوصلنا هذا القانون؟

وإلى أين يأخذنا زعماؤنا؟ للأسف، هم يعرفون أين ستحطّ سفينتهم ومَن هم ركّابها، وفـي سرّهم يخجلون من أنفسهم، ولكنّ كرسي السلطة أقوى من أيّ خجل، وأعداد المقاعد في الـمجلس أهمّ بكثير من المبادئ والأوطان والشهداء والأعراض والكرامات!

بعض الناخبيـن، وعلى الرغم من إمتعاضهم واشـمئزازهم من الدرْك الذي وصلت إليه البلاد، يعرفون ويدركون إلى أين ستذهب أصواتهم، وأين ستصبّ فـي نهاية المطاف، ولكنّ هذا خيارهم وتربيتهم وعقيدتهم، ولا أحد يمكنه أن يبدّل فـي قناعاتهم، أمّا الأكثرية الساحقة التـي تعتبر نفسها واعية وصاحبة رؤية وطنية سليمة، فهي لم تسمع يوماً بقصة الرأي العام وبغل سعيد تقي الدين، وأكثر من نصف هؤلاء لـم يعرفوا «عنجر» ولا الـ«بوريفاج» ولم يتعرّفوا الى النظام المخابراتي والأمنيّ الذي تـحكّم بالبلاد والعباد طوال ثلاثين سنة. يقول أدولف هتلر: «من حظّ الـحكّام أنّ الناس لا يفكّرون».

فـي السابع من أيار سيستفيق اللبنانيون على إحتمالين: إمّا العودة إلى واقع مرير ومزرٍ إشتكوا منه طوال حياتهم وكانوا، من دون وعي، مشاركين ومساهـمين فـي صنعه، وإمّا تشتعل روح الثورة الهامدة فـي قلوب الشباب، وينتفض الشعب على كل الذين حوّلوا الوطن إلى مزرعة سائبة تحكمها قوى الأمر الواقع وبعض الأزلام والمستفيدون من سطوتها ومافيات الفساد والـهدر و»البلطجة».

ما أروع ذلك اليوم الذي نرى فيه شعبنا بكل أطيافه ومذاهبه منتفضاً وثائراً يردّد بصوتٍ واحدٍ وقلبٍ واحدٍ مع عمر الـمختار: «إنني أؤمن بحقي فـي الحرّية، وحقّ بلادي فـي الحياة، وهذا الإيمان أقوى من كلّ سلاح».