بعد سنوات على العلاقة المتوتّرة والمتشنّجة رغم التوافق ضمنها على بعض الأمور ومنها ملف النفط، يُحضر «التيّار الوطني الحرّ» و«حركة أمل» لتفاهم مكتوب بينهما على غرار «ورقة التفاهم» بين «التيّار» و«حزب الله» التي وُقّعت في شباط 2006، و«إعلان النوايا» الذي وُقّع بين «التيّار» و«القوّات اللبنانية» في حزيران 2015. هذا عندما كان العماد ميشال عون رئيساً للتيّار، فيما الورقة الثالثة ستوقّع، على ما يُفترض، بين رئيس التيّار الحالي الوزير جبران باسيل ورئيس حركة أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي.
والسؤال الذي يُطرح هنا في ظلّ التحضير لبنود هذه الورقة، ولما يُمكن أن تحمله معها من نتائج إيجابية في المستقبل لعدد من الملفات التي كانت خلافية بين الطرفين، هو: أين رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية من هذا التفاهم؟ فالنائب فرنجيه الذي لم يوقّع مع الجنرال عون (قبل انتخابه) أي ورقة مكتوبة، كون العلاقة بينهما كانت من الندّ للندّ ولا تحتاج الى ورقة أو إعلان ما، حتى أنّ فرنجية في مقابلات كثيرة له كان يعتبر أنّه والعماد «شخص واحد»، قد توتّرت كثيراً عندما حصلت التسوية وتقرّر انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، إذ بقي فرنجية خارجها. علماً أنّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله عندما أكّد على التزام الحزب تبنّى ترشيح العماد عون قد دعاه الى التفاهم مع الرئيس برّي والنائب فرنجية وبقية الحلفاء بهدف تلافي أي معارضة لعهده لاحقاً، فحاول ذلك حتى الساعة ما قبل الأخيرة من انتخابه.
وإذ توقّع البعض أن تعود العلاقة بين الرئيس عون وفرنجية الى سابق عهدها بعد فترة قصيرة من الجفاء، إلاّ أنّه وبعد أكثر من أربعة أشهر على وصول عون الى قصر بعبدا لم يقم فرنجية بأي مبادرة تُذكر في اتجاه إعادة المياه الى مجاريها مع الرئيس. وتضع أوساط سياسية اللوم في هذا الإطار على اختيار فرنجية الوقوف في صفّ معارضة الرئيس عون، تلك التي «هدّد» برّي بقيادتها، وانضمّ اليها فرنجية مرحَّباً به. ولكن سرعان ما قرّر برّي عدم المعارضة، فشارك وزراؤه في الحكومة، وكذلك فعل فرنجية.
غير أنّ العلاقة بين برّي و«التيّار» عادت أخيراً لتأخذ مسار التقارب الذي أعلن عنه «التيّار» في مناسبات عدّة، فيما التزم الحركيون بالصمت، ربما لعدم إحراج حليفهم فرنجية، على ما ذكرت الاوساط، لا سيما وأنّ ورقة كهذه لن ترضيه، لا بل قد تكشف له أنّه أخطأ الخيار عندما قرّر «عدم الوقوف في صفّ عون- الحريري». فهل يُصبح فرنجية خارج أي تحالف مستقبلاً، وهل يلوم برّي على فعلته؟
تجيب الاوساط أنّه بإمكان فرنجية في المقابل أن يعقد توافقاً ثنائياً مع أي طرف سياسي آخر في البلد حتى ولو لم يكن حليفاً سياسياً لبرّي. كذلك فإنّه لن يلوم برّي على شيء إذ ليس من عاداته أن يفعل، كما أنّه ليس من تفاهم مكتوب بين الطرفين، بل يقتصر الأمر على تعهّد شفوي، تبيّن أنّه قد يتبدّل بحسب الظروف.
في الوقت نفسه، إنّ الأوان لم يفت بعد، على ما شدّدت الأوساط نفسها، أمام توقيع أي ورقة ثنائية أخرى، بين «التيّار» و«المردة» بعد أن تنضج ظروفها، أو بين «القوّات» و«حزب الله»، و«المستقبل» و«الحزب»، خصوصاً إذا ما كان الهدف من أي منها التقريب في وجهات النظر والإتفاق على العناوين المتعلّقة ببناء الدولة والجيش، والإلتزام بأحكام الدستور، وتعزيز دور المؤسسات، وقانون الإنتخابات والحوار وعلاقة لبنان مع محيطه وسياسته الخارجية والحفاظ على أمنه وسيادته واستقلاله وما الى ذلك.
ولكن المطلوب أولاً أن يقوم فرنجية بإعادة تحسين العلاقة مع الرئيس عون كخطوة أولى، بحسب رأي الاوساط، قبل الإنتقال الى الخطوات التالية وصولاً الى الإتفاق على ورقة تفاهم بين «المردة» و«التيّار»، في حال قرّر الطرفان العمل عليها. وتجد الاوساط بأنّ الجميع يلجأ للرئيس لوضعه في إطار هواجسه، فلماذا لا يفعل فرنجية في هذه المرحلة بالذات التي تلي التعيينات العسكرية والقضائية وإقرار الموازنة العامة إذ سيتمّ التوافق على القانون الجديد للإنتخاب، كما على التحالفات السياسية؟
وتقول الاوساط بأنّه لا بدّ من انتظار ولادة ورقة التفاهم الجديدة ليُبنى على الشيء مقتضاه، وقد يكون فرنجية من الذين ينتظرون أيضاً قبل القيام بأي ردّة فعل، سلبية أم إيجابية، كاشفة بأنّ ثمّة مساعٍ من قبل عناصر في «التيّار» باتجاه فرنجية لإصلاح ما أفسدته الظروف في العلاقة بينه وبين الرئيس عون. وتنطلق الجهود من أنّ فرنجية قد وافق على نتائج الإنتخاب قبل الجلسة المقرّرة إذ دعا حينها رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الى النزول الى مجلس النواب في جلسة 31 تشرين الأول، و«ليكن تصويت وليربح من يربح».
وتؤكّد الأوساط، بأنّ فرنجية لن يبقى عاتباً على الرئيس عون، ولا على رئيس الحكومة سعد الحريري، بل سيُحاول في الفترة المقبلة إمساك زمام الأمور مجدّداً بالنزول شخصياً الى الساحة، وإن كان وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس يبلي حسناً في حكومة الحريري. فالأمر لا يتطلّب سوى مبادرة شجاعة، وفرنجية معروف بشجاعته على ما يشيد به المقرّبون والبعيدون.
وفي مطلق الأحوال، فإنّ الورقات الثنائية، وإن كان لا تُقنع في بعض الأحيان سوى الطرفين اللذين يُوقّعان عليها، إلاّ أنّها تصبّ في مصلحة الوطن إذ يجري التوافق بين مكوّنين سياسيين، وبشكل نهائي، على عناوين كانت خلافية بينهما، الأمر الذي يجعل التفاهم مستمراً ودائماً حولها، وهنا تكمن أهميتها. فلا يُمكن إلاّ الإلتزام ببنودها وتطبيقها، ما من شأنه أن يمنع المزيد من هدر الوقت للإتفاق على العناوين ذاتها، ولهذا دعا العماد عون لدى توقيع «ورقة التفاهم» مع السيد حسن نصرالله، على تعميمها على بقية الأحزاب والتيّارات. وحصل أن لبّت «القوّات» النداء ولو بعد سنوات على توقيع الورقة الأولى.
ولعلّ صمود ورقة التفاهم لأكثر من عشر سنوات حتى اليوم، كما «إعلان النوايا» لنحو سنتين هو خير دليل على فاعلية الإتفاقات الثنائية ونجاحها. ومن هنا، فالمطلوب اليوم عقد تفاهمات ثنائية أخرى بين مختلف المكوّنات الشريكة في الحكم بهدف تلافي الخلافات ووضع حدّ لأي فراغ سياسي يُمكن أن ينجم جرّاء عدم الإتفاق على أي استحقاق مثل قانون الإنتخاب حالياً.