ليس لدى الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا سوى الوقت الذي هو من دم وشقاء ونزوح بالنسبة الى السوريين، ومن مخاطر على لبنان وبلدان الجوار. لكن الوقت ليس ورقة ضاغطة علي الأطراف في حرب سوريا وما يحاوله دي ميستورا هو تنويع المراوحة في المكان عبر مسلسل جديد من محادثات عن قرب. ففي المرة الأولى أخذ المسلسل شهوراً من الجولات في دمشق وعواصم المنطقة والعالم لإجراء محادثات منفصلة مع النظام والمعارضين والقوى الاقليمية والدولية تركزت في النهاية على هدف متواضع لم يبصر النور: تجميد القتال في حلب. وفي المرة الثانية حالياً يأخذ المسلسل ستة أسابيع من المشاورات الثنائية مع مئات المدعوين الى جنيف.
واذا كان التفاؤل أو بيع الآمال والأحلام جزءاً من وظيفة الوسطاء الديبلوماسيين، فان اصطدام دي ميستورا بكون وظيفة الحرب لم تنته دفعه الى ما يشبه التشاؤم: لا أعلق آمالاً كبيرة على فرص النجاح، وما تشهده جنيف ليس مؤتمراً ولا من المتوقع الخروج ببيانات كبيرة كما أعلن سلفاً. والمؤكد انه ليس بين أطراف الحرب من لديه أوهام حول جهوده. فما لا يزال في خطاب الجميع، بصرف النظر عن المواقف الحقيقية، مرجعية الحل السياسي هو بيان جنيف الذي صدر في ٣٠ حزيران ٢٠١٢ ثم تبناه مجلس الأمن عبر القرار ٢١١٨. وما طلبه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من دي ميستورا هو تكثيف الاتصالات السياسية للبحث عن تفعيل بيان جنيف وتوضيح عناصره، أي التفتيش عما كان يجب ان يفعله الكبار والأمين العام قبل ثلاث سنوات. وكيف؟ ب الوقوف على آراء الحكومة والمعارضين وقطاعات واسعة من المجتمع السوري، فضلاً عن القوى الاقليمية والدولية. كأن هذه الآراء غامضة. وكأن التعبير عنها بالهمس وليس بدوي الصواريخ والقنابل.
ذلك ان الخلاف على تفسير بيان جنيف وخصوصاً بند هيئة الحكم الانتقالي بالصلاحيات التنفيذية الكاملة دفع كوفي أنان ثم الأخضر الابراهيمي الى الاستقالة، وأعطى المبرر لاستمرار الحرب. ولن يتغيّر شيء مهما تكن الأجوبة التي يتلقاها دي ميستورا عن سؤاله حول الاستعداد للانتقال من المشاورات الثنائية الى المفاوضات الجامعة على أساس بيان جنيف. فالتطورات في حرب سوريا تجاوزت بيان جنيف. واللعبة لم تعد بين طرفين هما نظام ومعارضة، وان بقيت في اطار الصراع بين محورين. اذ صارت بين أطراف عدة حتى في الاطار السوري قبل الحديث عن الاطار الأوسع، حيث المقاتلون من ثمانين بلداً، والدول المتورطة مباشرة أو عن كثب متعددة، والأرض مقسّمة بين امارات وخلافة داعشية وما بقي من الدولة.
والجنون في سوريا ينفي الحكمة القائلة ان الوقت أفضل مستشار.