IMLebanon

اين الحريري من تأييد بري له «ظالماً كان او مظلوماً»

الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله مليء بمجموعة تجليّات جديدة وساطعة، يمكن أن تفتح في الجدران السميكة نوافذ تسووية تشي بإمكانية البلوغ نحو حلول موضوعيّة جوهرها تبوّؤ من يمثّلون الوجدانيات الطائفيّة بأكثريّة ساحقة للسلطة، فيؤول ذلك إلى ترسيخ متجدّد ومتوثّب للأعمدة الميثاقيّة بعد اهتزازها لتعود العمارة اللبنانيّة شديدة الصلابة.

توقيت الخطاب بحدّ ذاته غير مرتبط حصرًا بالمناسبة التي أملته وتمليه، إنّه توقيت مستنبط من طبيعة الأحداث الدائرة في المنطقة وبخاصّة في سوريا، ومستشرف وفاحص بدقّة لدرجة تأثيراتها على الأرض اللبنانيّة، كأرض تآلفت مع سريان المعطيات المتدفّقة بغزارة، والمتراكمة كعناوين تحوّلت مع مرور الزمن إلى مجموعة ألغام وانفجرت تباعًا، وأدّى انفجارها إلى احتراق الحجر ونزيف البشر. نما هذا الخطاب وبدا حركة معاكسة لما توقّعه كثيرون ومفاده أنّ الاستحقاق الرئاسيّ وما يتبعه من استحقاقات أخرى مؤجّلة إلى ما بعد الحسم في سوريا. مصادر كثيرة ربطت تجسيد الاستحقاقات في لبنان بتنفيذ الحسم في سوريا، بل جعلته بصورة جليّة منطوقًا من ذاتيّة الحسم ومتسربلاً حلّته ومجسّدًا معانيه. القياس المنطقيّ والمعادلات الواقعيّة ضمن مفهوم الواقعيّة السياسيّة تفرض ذلك، بخاصّة أن لبنان مرآة تنعكس من خلالها صراعات الآخرين وتوافقاتهم، فهل يمكن الفصل بالمنطق بين عدم الحسم في سوريا وبناء التسوية السياسيّة على نتائج الحسم في حلب ومحيطها وتسوية داخليّة بين الأفرقاء السياسيين المتقاتلين في لبنان على سوريا وفي سوريا على لبنان بالرهانات ونتائجها بربط العناوين كلّها ببعضها البعض؟

أوساط سياسيّة مراقبة بدقّة، وبناء على معلومات واردة من دوائر سياسيّة خارجيّة كبرى، كشفت عن أنّ الأميركيين متوافقون مع الروس على حسم النقاش السياسيّ في لبنان من خلال تأمين الاستحقاق الرئاسيّ بصورة عاجلة وترك التفاصيل الباقية إلى مرحلة ما بعد الاستحقاق الرئاسيّ. وتبيّن بنتيجة القراءات المتأنيّة لتلك المعلومات بأنّ أفعال التفضيل الأميركيّة على وجه التحديد تميل نحو دعم ترشيح العماد جان قهوجي لرئاسة الجمهوريّة، والأميركيّون، تاليًا، مرتاحون جدًّا للتعامل معه نظرًا لمرونته والخطوط مفتوحة معه بلا وسطاء. ديفيد هيل والآن السفيرة أليزابيت ريتشارد على علاقة مباشرة معه. وتضيف تلك المعلومات بأنّ الأميركيين في النقاش المتعالي حول تعيين قائد جديد للجيش أو استكمال التمديد لفهوجي لم يتدخلوا بالتفاصيل بل اكتفوا بالإيحاء بأن العماد قهوجي أبلى بلاء حسناً وكأنهم وبصورة غير مباشرة يفضلون التمديد له في قيادة الجيش ريثما يتم انتخاب رئيس للجمهوريّة وتأليف حكومة جديدة حينئذ يصار إلى تعيين قائد جديد للجيش. بمعنى وكما أجمع معظم المراقبين في الآونة الأخيرة، التمديد لقائد الجيش سبيل لبلوغه سدّة الرئاسة.

وفي معرض الحديث عن ذلك، تشير معلومات أخرى استناداً إلى كلام السيّد حسن نصرالله، بأنّ مسألة ترشيح العماد قهوجي كمسألة ترشيح سليمان فرنجيّة ليست راسخة في العمق. فلا يظنّن أحد أنّ الأميركيين إذا أوحوا صدقوا أو فعلوا، ولا يعني أيضاً بأن ثمّة اتفاقاً غير معلَن بين أميركا وإيران والسعوديّة بتسهيل انتخاب عمر أو زيد من المرشحين لتبنى التسوية على ذلك، وتؤكّد تلك المعلومات أن حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ على الأقلّ ليسا في وارد تكرار تجربة اتفاق الدوحة التي أدّت إلى انتخاب العماد ميشال سليمان، وأوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن من نتائج. هذا الكلام لا يخفّف من قيمة العماد قهوجي أو النائب سليمان فرنجيّة، إنّه يطال التجربة السيّئة جدّاً في الأداء والأفكار، فقد دخل ميشال سليمان قصر بعبدا صديقاً لحزب الله ولسوريا ورفيق سلاح للعماد ميشال عون، وما لبث أن التف عند أول منعطف سنة 2011 على المعطى الذي أوصله للرئاسة وأضحى في معطى آخر لبسه واستطابه بلا شبع.

حسم السيّد نصرالله خياراته للمرّة الأخيرة وبعيداً عن أيّ التباس ممكن أن يهيمن في العقول وعليها، العماد ميشال عون مرشّح حزب الله إلى رئاسة الجمهوريّة وليس سليمان فرنجيّة وقد أكّد في الوقت عينه على مودّته واحترامه له وذهب بالقول بعيدًا وبشروط مرنة جدًّا إذا تمّ الإجماع على العماد عون فالأبواب مفتوحة للنقاش في مسالة رئاسة الحكومة، لقد فتح ثغرة في هذا الجدار السميك جدًّا، وبالتحديد في مسألة من يمكن أن يتبوّأ منصب رئاسة الحكومة إلى جانب رئيس الجمهوريّة، تاركًا للمعنيين العمل على التفاعل في جوف الثغرة وجوّها والتعاطي مع آفاقها بإيجابيّة مطلقة.

لماذا شاء السيّد فتح الثغرة الآن، وفي هذا التوقيت الشديد الحساسيّة بالذات؟ تجيب الاوساط:

1-أعاد السيد التذكير على المستوى الداخليّ، بأنّ حلّ العقدة السياسيّة المتمثّلة بالاستحقاق الرئاسيّ يتمّ حصرًا مع العماد ميشال عون وليس مع سواه من المرشحين الآخرين. العماد عون مرشّح الإجماع المسيحيّ، والسيّد نصرالله احترم عمليًّا وفعليًّا هذا الإجماع على شخص العماد عون، وأكّد تاليًا دعم الحزب له. ولعلّ الرسالة واضحة إلى القوّات اللبنانيّة وبخاصّة لقائدها الدكتور سمير جعجع بأن ترشيح الحزب للعماد عون لا ترقى إليه الشكوك ولا مجال للتنازل عنه إلاّ إذا تنازل هو عن ترشيحه، وطالما لم يتنازل فهو مرشّح حزب الله منذ 2008 والحزب داعم له حتى آخر المدى.

2-أكّد السيد نصرالله بصورة فصيحة بأنّ المعركة غير محصورة برئيس الجمهوريّة بل برئاسة الحكومة، أي بمن يترشّح لرئاسة الحكومة. وموقع رئاسة الحكومة مفتوح على الأمداء العربيّة والإقليميّة أكثر من رئاسة الجمهوريّة. وقد بات الحزب وبعد نقاش مستفيض جاهزًا لتقديم تنازلات محدّدة تجاه هذا الموقع، بعد كلام واضح وقرار جازم بأن لا مجال لتسمية من يقاتله في سوريا، وبعد سقوط شهداء كثيرين في سوريا، بسبب دعم هذا الفريق عينًا لمن يقاتل ويعمد على إسقاط النظام في سوريا ومعه جبهة الممانعة. لم يكن الحزب مستعدًّا للمساومة في هذا الإطار.

3-شاء السيد أن ينطلق من معطى جديد قائم في المنطقة لإبداء المرونة. ومرونته شبيهة إلى حدّ بعيد بمرونة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين تجاه الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان منذ إنقاذه من محاولة الانقلاب عليه وصولاً إلى القمّة معه ويحاول بوتين أن يجعل أردوغان مديناً له بهذا الأمر وقادرًا في التاثير على مفاصل الصراع في سوريا. موقف نصرالله شبيه إلى حدّ بعيد بهذا الموقف، فالرئيس سعد الحريري على كلّ المستويات بات من المغضوب عليهم، ففي السعوديّة لم يعد الابن بالتبني للمملكة، وموضوع سعودي أوجيه أساسيّ في نزع صفة الأبوّة والبنوّة، وجعله خارج تلك البيئة على الرغم من محاولاته الحثيثة بتقديم أوراق اعتماد جديدة للمملكة، فيما المملكة لافظة له في اللحظات القاسية وتعمد على معاقبته بكافّة الوسائل والإمكانيات. سعد الحريري لم يعد رجل السعوديّة البار في لبنان وسوريا والمنطقة، أشرف ريفي هو رجلها البار في مواجهة السعوديّة للحزب. فتيار المستقبل يعيش أزمة حقيقيّة مع فريق الصقور برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة بعد الانقلاب المعنويّ والفعليّ عليه، والحزب قد وضع «فيتو» على السنيورة منذ سنة 2006 أي منذ الحرب الإسرائيليّة على لبنان وموقفه منها ومواقفه اللاحقة، كما حتمًا يرفض ترشيح اللواء اشرف ريفي إلى الموقع عينه، وباستطاعته أن يستغني عن الرئيس نجيب ميقاتي بتفاهم واضح معه، ويعود للكلام حول ترشيح سعد الحريري لهذا الموقع، ولكن الترشيح مشروط بمجموعة مطالب يحسن بسعد الحريري التفكير بها، وهي مرتبطة بـ:

أ-إعادة موقفه من دخول حزب الله إلى سوريا، فلو لم يدخل الحزب لكانت المنظمات التكفيريّة قد اقتحمت لبنان.

ب-إعادة موقفه من العماد ميشال عون واعتباره مرشّحاً ميثاقيّاً والتحريض على انتخابه لموقع رئاسة الجمهوريّة خلال هذه المرحلة الوجيزة، وقبل فوات الأوان.

ج-إعادة موقفه تدريجيّاً من النظام في سوريا، كما أردوغان سيفعل وهو حليفه القريب. والحريري يعرف بأن لقاءات قد جرت بين الأتراك والسوريين في الجزائر واستكملت باتصالات مباشرة ولعلّ القمة الروسيّة-التركيّة قد تفتح ثغرات واسعة في العلاقة السيّئة بين الجانبين. لقد سبق للحريري أن برّأ الرئيس بشار الأسد من دم ابيه وزاره في قصر المهاجرين فهل يستطيع أمام مرونة السيد حسن نصرالله أن يذهب بعيدًا في هذا الاتجاه؟

د-إعادة موقفه من قانون الانتخابات والتأكيد على النسبية سبيلاً جوهريّاً ينتج نخبًا سياسية جديدة.

الرئيس نبيه برّي مع ترشيح سعد الحريري ظالمًا كان أو مظلوماً لرئاسة الحكومة، لكن أين سعد الحريري من كلّ هذا العرض؟ وللأيام أن تجيب على ذلك.