Site icon IMLebanon

أين أصبحنا؟ ما هي إحتمالات النجاة؟

 

 

أما وقد بدأ العام 2019 بلا حكومة، وبلا إصلاحات مالية، فإنّ السؤال الذي تتمحور حوله الكثير من القراءات والتحليلات، محصور في محاولة معرفة ماذا سيجري خلال هذه السنة. هل هو عام «حصاد» الاهمال والنزف والسرقة والفشل، ام انّ المفاجآت السارة لا تزال واردة رغم المشهد السوداوي المسيطر على البلد؟

 

في كل الأزمات المالية التي تنشأ في الدول، هناك دائماً ثمن ينبغي أن يُدفع قبل ان تعود الامور الى طبيعتها. وهناك فارق كبير في حجم هذا الثمن، وفي الوقت الذي يستغرقه التطبيع بين دولة وأخرى، قياساً أولاً بعمق الأزمة وقوتها، وبالطريقة التي تعتمدها الحكومات في المعالجة ثانياً، وفي الظروف التي تواكب المعالجة ثالثاً، وفي طبيعة الجهات التي تلجأ اليها الدول او المؤسسات الدولية التي توافق في الاساس على التدخّل للمساعدة، رابعاً.

 

كل هذه العوامل تؤثر في مرحلة الخروج من الانهيار. وهذا الامر يمكن أن نلاحظه من خلال الأزمات التي تعرضت لها الدول في العصر الحديث. واذا تجاوزنا الأزمات التي عصفت بالدول عبر التاريخ، مثل «أزمة التوليب» في هولندا عام 1635، أو أزمة انهيار بورصة باريس عام 1882، وصولاً الى الأزمة العالمية الأشهر عام 1929، نلاحظ أنّ أزمات العصر الحديث منذ الثمانينيات، تشابهت معالجاتها من حيث الشكل، لكن اختلفت الاثمان المدفوعة، والفترات التي استغرقها العلاج، والأهم الحالة التي خرجت بها هذه الدول.

 

هذا الامر يشمل دول اميركا اللاتينية، التي تعرّضت لأزمات مالية بسبب تراكم الديون السيادية، وخضعت لبرامج دعم ومراقبة تمكنت في خلالها من تجاوّز أزماتها. لكن الفارق الاساسي يكمن في النتائج. هناك دول اصبح وضعها اكثر ثباتاً، في حين بقيت دول أخرى في وضع حساس، وبعضها كرّر أزمة الديون بعد سنوات عدة من الانقاذ الاول.

 

في العام 2019، هناك حقائق ينبغي ان يتم التذكير بها على المستوى اللبناني، من أهمها:

 

اولاً: انّ حجم الدين العام وصل الى مستويات خطيرة جداً قياساً الى حجم الناتج المحلي.

 

ثانياً: انّ حجم العجز السنوي تخطى الخطوط الحمر، ووصل الى ما يقارب الـ7 مليارات دولار عن العام 2018. وهذا الرقم مُرشّح للارتفاع اكثر في 2019 اذا لم تحصل تطورات تؤدي الى تغيير النهج.

 

ثالثاً: انّ مستحقات لبنان من العملات الاجنبية (يوروبوند) المطلوب تسديدها في العام 2019 تصل الى حوالى 4 مليارات دولار.

 

رابعاً: انّ بنية الموازنة تغيرت سلبياً. وفي حين نجحت الحكومات في السنوات السابقة في تحقيق نوع من التوازن في العجز الاولي، بحيث اصبح العجز محصوراً بكلفة فوائد الدين، أصبح العجز الاولي في العام 2018 يقارب الملياري دولار. بما يعني، انه حتى لو تم شطب الديون، وإلغاء دفع الفوائد السنوية، سيبقى العجز القائم كبيراً.

 

خامساً: انّ بنية اسعار الفوائد ستبقى مرتفعة، خلال العام 2019.

 

سادساً: انّ نمو حجم الودائع في المصارف لن يكون كافياً لتمويل القطاعين العام والخاص. وقد تمّ حالياً اختيار تمويل الدولة، ووقف تمويل القطاع الخاص بانتظار أن تمر الأزمة القائمة.

 

سابعاً: انّ أزمة الجمود في القطاع العقاري مستمرة، بما سيزيد الضغوطات على الاسعار للتراجع اكثر. هذه الأزمة تقلق المصارف التي خصّصت حوالى 35% من محافظ قروضها لهذا القطاع.

 

هذه الحقائق لا يمكن التنكّر لها، وهي تقود حتماً الى كارثة مالية واقتصادية، بصرف النظر عن الوقت الذي قد تستغرقه «رحلة» الوصول الى الهاوية. شهر، سنة أو أكثر، النتيجة محسومة، «إلّا اذا تغيّر شي». (بالإذن من جورج خباز)

 

ماذا يمكن ان يتغيّر؟ وهل يمكن تغيير الحقائق المالية والاقتصادية القائمة؟

 

لا شيء عصيٌ على التغيير، خصوصاً في بلد شبيه بلبنان، لديه مورد مالي شبه ثابت من الخارج. وبالتالي، هناك حقائق يمكن ان تتغيّر فعلاً، مثل ارتفاع نمو الودائع، أو تراجع العجز السنوي في الموازنة، وهناك حقائق يصبح التعامل معها أسهل مثل دفع مستحقات الدين للعام 2019 والتي تبلغ حوالى 4 مليارات دولار… كل ما يحتاجه الاقتصاد في المرحلة الاولى، لتحاشي الوقوع في الانهيار، هو التالي:

 

اولاً: تشكيل حكومة.

 

ثانياً: البدء في تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر.

 

ثالثاً: الأخذ ببعض النقاط الواردة في برامج البنك الدولي وصندوق النقد، وفي توصيات مؤسسات وجهات لبنانية، من أهمها إغلاق ملف النزف في الكهرباء، وإعادة تأهيل نظام التقاعد وتوحيده، وخفض منسوب الهدر والسرقة.

 

رابعاً: حلحلة سياسية تتماهى مع مناخ التغيير الذي بدأ يظهر في المنطقة برعاية دولية واضحة.

 

بعد ذلك يمكن التركيز على خطوات إضافية تصبّ كلها في خانة إعادة تطبيع الوضعين المالي والاقتصادي في البلد.

 

هل هذه الشروط صعبة ومعقدة ولا يمكن تنفيذها؟