Site icon IMLebanon

أين كنّا وأين أصبحنا؟!  

 

بادرة مهمة أطلقها الرئيس نبيه بري بدعوته مجلس النواب الى جلسة استثنائية طارئة لمجلس النواب حول قرار ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، وبالقدر ذاته من الأهمية جاءت كلمته في مستهل الجلسة، وعلى إيجازها كانت هادفة ومهمة على عادة دولته في مختلف المناسبات، فكم بالحري في هذا الظرف الاستثنائي الوطني والقومي والإنساني عموماً.

 

فقد قال دولته: “إنّ من يتجرّأ على القدس يتجرّأ على المسجد الأقصى وعلى كنيسة القيامة وبالتالي على لبنان، مضيفاً: بسم الله قاصم الجبارين افتتح هذه الجلسة”.

ولا بدّ من التنويه بالكلمات التي أدلى بها سائر النواب، ممثلي مختلف الكتل والأحزاب التي أجمعت على موقف موحّد في السلطة التشريعية يلتقي مع موقف السلطة التنفيذية، وبالتالي لا مزايدة على أي طرف في هذه القضية الجامعة.

إلاّ أنّ التبصّر في ما آلت إليه أوضاع القدس والوضع الفلسطيني عموماً، وحال العجز العربي يجعلنا نستحضر من الماضي زمن مقارعة المحتل والمنتدب والمستعمر… وفي هذا السياق أشرك القارئ بما جرى تداوله أخيراً عبر وسائط التواصل الاجتماعي عن مفاوضات الجلاء بين اللبناني المسيحي المرحوم فارس الخوري الذي كان رئيساً للوزراء في سوريا وتولّى ترؤس الوفد السوري الى مفاوضات الجلاء، وحسب الرواية: دخل فارس الخوري الى مقر الأمم المتحدة، بطربوشه الأحمر وبزته البيضاء الأنيقة.. قبل موعد الاجتماع الذي طلبته سوريا من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها بدقائق.. اتجه مباشرة الى مقعد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة وجلس على الكرسي المخصّص لفرنسا..

بدأ السفراء بالتوافد الى مقر الأمم المتحدة بدون إخفاء دهشتهم من جلوس فارس بيك المعروف برجاحة عقله وسعة علمه وثقافته، في المقعد المخصص للمندوب الفرنسي، تاركاً المقعد المخصص لسوريا فارغاً.

دخل المندوب الفرنسي، ووجد فارس بيك يحتل مقعد فرنسا في الجلسة.. فتوجّه إليه وبدأ يخبره أنّ هذا المقعد مخصّص لفرنسا ولهذا وضع أمامه علم فرنسا، وأشار له الى مكان وجود مقعد سوريا مستدلاً عليه بعلم سوريا.. ولكن فارس بيك لم يحرّك ساكناً، بل بقي ينظر الى ساعته.. دقيقة، اثنتان، خمس.

استمر المندوب الفرنسي في محاولة إفهام فارس بيك بأنّ الكرسي المخصّص له في الجهة الأخرى، ولكن فارس بيك استمر بالتحديق الى ساعته… عشر دقائق، إحدى عشرة، إثنتا عشرة دقيقة…

وبدأ صبر المندوب الفرنسي بالنفاد، واستخدم عبارات لاذعة ولكن فارس بيك استمر بالتحديق بساعته.. تسع عشرة دقيقة، عشرون، واحد وعشرون…

واهتاج المندوب الفرنسي، ولولا حؤول سفراء الأمم الأخرى بينه وبين عنق فارس بيك لكان دكه…

وعند الدقيقة الخامسة والعشرين، تنحنح فارس بيك ووضع ساعته في جيبه، ووقف بابتسامة عريضة تعلو شفتيه وقال للمندوب الفرنسي:

سعادة السفير، جلستُ على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة، فكدت تقتلني غضباً وحنقاً، سوريا استحملت سفالة جنودكم خمسا وعشرين سنة، وآن لها أن تستقل..

أخيراً: هذا الرئيس المسيحي اللبناني كان أيضاً وزيراً للأوقاف الاسلامية في سوريا!