Site icon IMLebanon

حيث لم يُصب السيد حسن نصر الله؟!

بقدر ما كان الأمين العام لــ«حزب الله» السيد حسن نصر الله مصيباً في جانب من قراءته لذكرى «القادة الشهداء» من المقاومة، بقدر ما جنح عن موضوعيته في قراءة بعض التطورات على المستوى الاقليمي، والتي لا بد أنها تركت انعكاسات سلبية في الواقع اللبناني تظهرت بالاصطفافات السياسية بأعماقها الطائفية والمذهبية.

لم يكن تفادي السيد حسن نصر الله في كلمته – الثلاثاء الماضي – الحديث عن الأزمة – الأزمات الداخلية في لبنان، وفي طليعتها أزمة الشغور الرئاسي مستغرباً.. وقد تسربت معلومات قبل أيام عن أنه لن يتطرق الى ذلك، وسيتغاضى عن كل المواقف التي صدرت في احتفال »البيال«.. وقد فعل ذلك، وإن أشار الى الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري من باب التمني ان تكون مناسبة جامعة لكل اللبنانيين..

»قادة المقاومة الشهداء«، الثلاثة الذين تحدث عنهم السيد نصر الله، عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والحاج عماد مغنية، لبنانيون أباً عن جد.. واستشهدوا في مسيرة الدفاع عن لبنان وحيث عجزت الدولة.. لكن السيد نصر الله قفز عن ذلك وراح بعيداً في قراءات مستوحاة بدقة من خط سياسي اقليمي تقوده »الجمهورية الاسلامية« في ايران.

من حق السيد نصر الله ان تكون له قراءته والتي كانت أقرب الى »الحرب النفسية« أكثر من أي شيء آخر.. ولا ضير في ذلك ان لم تترك انعكاسات ومضاعفات سلبية على لبنان عموماً.. لكن ذلك، لا يشكل غطاءً كافياً وموضوعياً، وهو يستوحي الخط السياسي والعقائدي – والأمني للجمهورية الاسلامية، لقراءة ما آلت اليه التطورات، خصوصاً مع دول الخليج العربي (الذي ترفض ايران الاسلامية تسميته بالعربي وتصر على تسميته بــ»الفارسي«)، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، التي لم توفر جهداً للوقوف الى جانب لبنان واللبنانيين كافة، في ظروفهم الصعبة، خصوصاً بعد الحروب الداخلية والحروب الاسرائيلية، إلا وقدمته، في السياسة وفي اعادة الاعمار، وفي الدعم المالي وأخيراً في هبة المليارات لدعم الجيش اللبناني، الذي يشكل أحد اقانيم ثلاثية »الجيش والشعب والمقاومة«؟!

مراجعة نقدية بسيطة، ان انتقال الحكم في ايران من نظام الشاه الى »ولاية الفقيه«، لم يغير في سلوك ايران الخارجي شيئاً يذكر.. ومنذ اللحظة الأولى للثورة الاسلامية، أطلق مرشدها الدعوة الى »تصدير الثورة« التي كانت فاتحة الكوارث اشعلت حرب الثماني سنوات مع العراق، ولم يكن الرابح منها في النهاية سوى الكيان الاسرائيلي.. لم يشكل ذلك دافعاً للمسؤولين في ايران لقراءة نقدية ومراجعة حسابات، بل على العكس من ذلك، فسياسة »تصدير الثورة« مضت، مرتكزة على أسس عقائدية – مذهبية وفرت المزيد من الأسباب لعدم استقرار المنطقة، ولتعزيز الشكوك والقلق والمخاوف من العودة الى سلوكيات »الامبراطوريات« البائدة.. وها بعض نتائجها تتظهر في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي البحرين، ولم يعد لبنان بمنأى عن تداعياتها، أقله في السياسة والاعلام..

إن التطرف والغلو و»الإرهاب« نتائج لواقع معين، وقد يتحول لأسباب.. لكن، ما يؤسف ان السيد نصر الله، يرمي المسؤولية حيث لا يجب.. وهذه مسألة تدعو لاثارة حوارات موضوعية، لما تحتضنه من أسئلة وتساؤلات؟!

لقد كان السيد نصر الله، لوقت سابق، الأبرز شعبية على امتداد العالمين العربي والاسلامي، يوم كانت المقاومة تقوم بدورها الطبيعي في مواجهة العدو الذي ليس لنا من عدو إلاّه.. وتسجل أروع انتصارات عرفتها المنطقة.. لكن، ومع الوقت بدأت هذه الصورة تتراجع لتصبح أسيرة الكيانات والاحياء والزواريب والأزقة والشوارع والساحات و..

قد يكون من الصعب راهناً الخروج من هذه »المصيدة« بغير أثمان. لكن كل ثمن يهون عند مصلحة الوطن والشعب عموماً.. وهناك من بات على قناعة ان المسألة تجاوزت »حزب الله« على الرغم من المكانة الاقليمية التي بات يحتلها.. وهي موقوفة على حوار ايجابي ايراني – سعودي. وعلى ما تدل الوقائع فإن دول الخليج كافة، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية لم تقصر في واجب دعوة ايران (الجارة) الى أطيب وأحسن العلاقات، وان تكف ايران عن سياستها في التدخل في صلب الشؤون الداخلية لدول الخليج، على خلفيات مذهبية في معظمها، لكن طهران لم تتجاوب مع هذه الدعوات وقد سجلت السنوات الماضية العديد من الأحداث الكافية لتؤسّس لحروب.

وفي لبنان يدرك السيد نصر الله أكثر من غيره، ان الدولة، التي كان غيابها أحد أسباب ولادة المقاومة – المقاومات، هي في »موت سريري«.. وان للحزب يد مؤثرة في ذلك وهو يدير ظهره لأي بحث متجرد عن حلول ومخارج، متمسكاً بشعار »الالتزام الأخلاقي – السياسي« لقطع الطريق أمام أي مخرج ينقذ لبنان من الشغور الرئاسي المتمادي الذي ترك اثاره السلبية على سائر المؤسسات وولَّد حالاً من الاحباط الوطني العام، واليأس الذي قد يقود الى »الانتحار«..

صحيح ان السيد لم يجد سبباً لتكرار الحديث عن الداخل اللبناني – وان كانت لافتة ايجاباً اشارته الى الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري – إلا ان ذلك لا يعفي الحزب وحلفاءه من مسؤولية العمل، وعلى كل الجبهات والميادين واسقاط الحواجز مع سائر الافرقاء، لتوفير المناعة الداخلية – الوطنية الكافية سيما وان احتمالات تجدد الحروب مع الكيان الاسرائيلي قائمة، طالما هذا الكيان قائم… ويجد اول مشهد له في التوزعات الطائفية والمذهبية والعرقية والاتنية والكيانية تسود المشرق العربي وغيره..«؟!