جلس الإعلام المحلي والإقليمي على كابلات كاميراته «يتمرجح» كالأطفال داخل الاستديوهات، وعلى وجهه «ابتسامة سخرية» من الأداء الهزيل للإعلام الأوروبي في تغطية الأحداث الدموية التي طعنَت قلبَ الاستقرار الأمني في بروكسيل أمس بتفجيرات إرهابية.
مع حركة رِجليه الناشطة، بالضمّ والمدّ على وقع حركة الأرجوحة، راح إعلامُنا يبحث بين شاشات المحطّات الغربية عن أيّ قطعة لحم، أو نقطة دم، أو طرف مبتور، أو مواطن مشوَّه يؤكّد بها حقيقة التفجيرات… ولكن عبثاً.
وهل يُعقل أن يقتنع إعلامُنا بفداحة ما حصَل صبيحة أمس، بعد أن خلَت الشاشات تماماً من أيّ صورة شنيعة لأيّ إصابة بالغة بعد 3 تفجيرات ضربَت أكثر المرافق اكتظاظاً في العاصمة البلجيكية… وكيف يمكن أن يقتنعَ وهو القادر على فتح «ملحمة إعلامية» من حادث سير فردي على طريق فرعي.
تابَعنا جميعُنا أحداث الأمس، وأفظع ما تَمكّنا من رصده على المحطات الأوروبّية هو مشهد الناس الهاربة هلَعاً من مكان التفجيرات، وباستثناء ذلك، لم تلطّخ هذه الشاشات تغطيتها المهنية بأيّ مشهد دموي يَنقل إلى الناس فظاعة ما حدث… فالخبر وحده كافٍ لأن يكون الحقيقة التي يحتاج إلى سماعها الأوروبّي، من دون الحاجة إلى أية مؤثّرات بصرية خاصة، مثلما جرت العادة عندنا.
لا أحد يعلم ما طبيعة إعلامنا، ولا أحد يحبّ عادته السيئة والمتواصلة في وضع إصبعه داخل الجرح في كلّ مرّة، كما لو أنه يريد أن يذيقَنا طعمَ الدم في كلّ مشهد وعند كلّ مأساة، وإنْ لم نتلذّذ، عاقبَنا وأنّبَنا… هل نحن تلاميذ أشقياء، أساتذة فاشلون، أو هل نحن مجرّد مشاهدين بسَطاء نرضع الدمَ كلَّ ما أولمَت الشاشة على شرف المأساة على مائدة «كانيباليزم إعلامي» نأكل فيها آلامنا.
نضع اللوم دائماً على شاشاتنا وإعلامييها، ولكن كيف نسينا أنها ليست سوى صورة مصغّرة عنّا، وكيف نسينا أن المشهد الإعلامي ليس سوى صورة مكبّرة عن ثقافتنا ورغباتنا.
سَئمنا مصطلحات الشرق والغرب وما بينهما من ألعاب واختلافات… هناك يهمُّهم من مات في سبيل المحافظة على حياة مَن نجا، ولكنْ هنا يهمّنا من مات (بشحمِه ولحمه) حتى نقتلَ في الأحياء كلَّ ما بقي فيهم من حياء وكرامة وحتى ثقافة.
«نِحنا ما مِتنا… وما بَدنا نشوف مين مات».