فيما تتبلور المواقف أكثر وأكثر حيالَ الملفّ الرئاسي من جهة تيار «المستقبل» عبر ترشيح النائب سليمان فرنجية، وردّ حزب «القوات اللبنانية» بدعم ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، وإن لم يعلن الطرفان موقفَيهما رسمياً بعد، فإنّ هذه الفرضيات تضع النواب المسيحيين المستقلّين أمام خيارَين لا ثالثَ لهما.
في وقتٍ أكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع جدّية قراره، بدعم ترشيح عون لا يزال البعض غير مقتنع بأنّ هذا الأمر يتّجه نحو التحقق. وفي هذا الصدد، استوضحت «الجمهورية» بعض النواب المسيحيين المستقلّين آراءهم وخياراتهم ومواقفهم بين «المستقبل» و»القوات» حليفيهما في «14 آذار».
شمعون
يقف حزب «الوطنيين الأحرار» بين خيارَين أحلاهما مرّ، وهو الذي اعتاد خوض المعارك الرئاسية الشرسة وكان ناخباً أساسياً في جمهورية ما قبل «الطائف» مع الرئيس الراحل كميل شمعون الذي فاز بالرئاسة عام 1952 وخاض انتخابات 1970 داعماً الرئيس الراحل سليمان فرنجية في مواجهة الرئيس الراحل الياس سركيس في الإنتخابات الشهيرة التي فاز فيها مرشّح «الحلف الثلاثي» بزعامة شمعون على سركيس مرشح النهج الشهابي. لكن في نهاية المطاف فإنّ حسمَ القرار اليوم لا بدّ منه.
وفي هذا الصدد يؤكد رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون لـ«الجمهورية»، «أنني ضدّ ترشيح عون وفرنجية، لكن في حال اضطُررت الى اختيار «أهون الشرّين»، فلا شك أنّ ميشال عون هو آخر شخص قد أختاره، فسبق وجرّبناه ورأينا النتائج».
وعما إذا كان على علم ببرنامج فرنجية الرئاسي، رأى شمعون أنّ «ما سمعناه منه حتى الآن «ما بينقّز»، لكنّ التجربة مع عون علّمتنا كثيراً وكلّفت لبنان أثماناً باهظة»، مضيفاً: «لا أعتقد أنّ جعجع قد يسير ضدّ الرئيس سعد الحريري و«14 آذار»، فلا أظنّ أنه قد يرتكب خطأً كترشيح عون وأن يخرج من فريق «14 آذار»، بل أرى أنّ ما يحصل هو مناورات لا أكثر، كما أنني أستبعد أن يكون الطرفان متفقين على أن يأتي عون رئيساً الآن ليليه جعجع لاحقاً، أو أن يتقاسما الولاية الواحدة ويكون فيها كلٌّ منهما رئيساً لثلاث سنوات».
حرب
أمّا وزير الاتصالات بطرس حرب فقصّته مع هذين الترشيحين مغايرة، وتاريخه الطويل في النزاع مع عون، خصوصاً في فترة توقيع «اتفاق الطائف» وما بعده، لا بدَّ من أن يؤثر في حسم خياراته، لأنّ هذا النزاع عاد وتأجّج منذ العام 2005 في ضوء وجود رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في البترون ومنافسته حرب بضراوة في مسقط رأسه، في وقتٍ كان لحرب تاريخ طويل مع آل فرنجية في الشمال إذ دعموه في ترشيحه الأوّل عام 1972 من ثمّ تحالف الطرفان في انتخابات الـ2000 النيابية ولم ينقطع خيط الودّ بينهما طوال عام 2005 وما بعده، على رغم التباعد السياسي.
وفي هذا السياق يقول حرب لـ«الجمهورية» إنّ موقفه واضح، «فإذا كان خياري محصوراً بهذين المرشحين سأختار فرنجية حتماً لأنّ مَن عطّل الدولة لسنتين لا يحقّ له أن يكون رئيساً للجمهورية ولا يجوز لنا إيصال مَن يُعطّل المؤسسات الى هذا المركز،
كما أنّ مَن انقلب على الدستور ليس جديراً بالرئاسة، إضافة الى أسباب عدة أخرى تمنعني من ترشيحه، لأنني مقتنع بأنه لو حصل هذا الأمر، لا سمح الله، ستُدان الدولة اللبنانية بنحوٍ سيّئ جداً، بغضّ النظر عن المواقف السياسية العامة»، ويكشف حرب «أنني اجتمعت بالنائب سليمان فرنجية وسمعت ما لديه من طروحات، والتي يمكن المراهنة عليها وتطويرها وتحسينها والتفاعل معها».
ويؤكد أنّ خياره بالتصويت لفرنجية «يأتي نتيجة حصر الاحتمالات في هذين المرشحين، فأنا عندها لن أتردّد في تنفيذ قراري المحسوم بعدم التصويت لعون».
أما عن الانقسام المسيحي الذي قد ينتج من تباين المواقف، فسأل حرب: «هل نُعتبر موحّدين مسيحيّاً في الوقت الحالي؟ كنتُ أتمنّى لو أنّ تقارب عون وجعجع حقيقي، فقد آن الأوان للخروج من نزاعاتهما والدخول في تنافسٍ ديموقراطي، لأنّ ما يحصل حالياً هو توافق عند ظروف معيّنة،
ما قرّب بينهما من دون أن يكون هناك مشروع سياسي يجمعهما، والخلافات ما زالت كبيرة حيال خيارات كبرى مثل سلاح «حزب الله» أو مشاركته في الحرب السورية وغيرها، أما تفاهمهما فهو ظرفي التقيا فيه على بعض القضايا، علماً أننا نتمنّى أن يكون هناك توافق على بعض القضايا الأساسية التي اختلفا عليها في الماضي».
فرعون
من جهته وزير السياحة ميشال فرعون، وعلى رغم تحالفه مع تيار «المستقبل»، يغلّف خياراته بطابع وسطي إزاءَ الحريري وجعجع، خصوصاً أنه نائب منطقة الأشرفية التي تُعتبر من أهمّ معاقل «القوات اللبنانية»، وهو لم يدخل سابقاً في مواجهة حتى النهاية مع جعجع في قضية «القانون الأرثوذكسي» مثل بقية المسيحيين المستقلّين، بل حافظ على علاقة طيّبة مع معراب.
ويقول فرعون لـ«الجمهورية» في هذا السياق: «أقف مع مَن يفتح مجلس النواب لكي ننتخب، ومن بعدها أمارس حريّتي الديموقراطية بالتنسيق والتشاور مع بقية الأفرقاء، وذلك طبعاً حين تتبيّن جدّية الموضوع ونتأكد من النيات الصحيحة لإجراء الانتخاب».
ويشير الى أنه «عندما تتضج الأجواء يجب أن ندرس برنامج كلٍّ من المرشحين عون وفرنجية ونستوضح بعض المسائل». ويؤكد أنّ «حسم القرار ما زال مبكراً، إذ يجب أن ننتظر حتى تصبح الأمور رسمية وعندها نبلور الصورة للرأي العام ونتخذ قراراتنا بشفافية».