اللبنانيون متضامنون مع الجيش والامن في التصدي لاعتداءات “جبهة النصرة” و”داعش” وأشباههما. فهذه تنظيمات اساءت الى ثورة الشعب السوري وقضيته ولم تضف اليهما سوى وصمة الارهاب، التي كان نظام بشار الاسد يتفرّد بها ويحتكرها. واذا كان “حزب الله” تأبط “ايرانيته” لا لبنانيته ليرتكب خطأ تاريخياً بالاساءة الى علاقة الشعبين، فان “النصرة” و”داعش” ارتكبا اخطاء أكثر فداحة: غزو بلدة عرسال التي تحمّل اهلها الكثير لمساعدة اخوتهم السوريين، وقتل رهائن من بين الجنود ورجال الامن المأسورين لديهما، واستخدام اللاجئين السوريين دروعاً بشرية في حرب في غير موضعها، ومحاولة اللعب على التناقضات والانقسامات اللبنانية الداخلية، وبالتالي جر الجميع الى “لعبة” “حزب الله” بتوريط الجيش والشعب، بعد توريط “المقاومة” في الصراع السوري.
بين “النصرة” المفاوضة و”داعش” المتعجل، ذبح امام الكاميرا ثلاثة عسكريين بسكاكين اخترقت قلوب جميع اللبنانيين، وعلى رغم عمق الحزن والغضب كان أهالي المذبوحين الاكثر ضبطاً للنفس، فالبيت الذي يرسل ابنه الى خدمة الوطن يعرف معنى القضاء والقدر، ويضع في حسابه انه قد يستقبله يوماً شهيداً اما الذين لم يذبح لهم والد أو ولد أو أخ أو قريب، فتراهم اليوم يجوبون الشوارع بحثاً عن اي سوري للتنكيل به وتنفيس احقادهم بضربه وتحقيره. وبعدما دهم الجيش مخيمات عرسال بطريقة مخزية ومتعمدة، كسب “الشبيحة” اللبنانيون شرعية ومشروعية لاصطياد اللاجئين. قيل إن الدهم استهدف “البحث عن مشتبه بهم”، وكان الاولى أن يتم قبل شهور من الهجوم على عرسال بعمليات تفتيش دورية ودائمة، أما أن تنظم حملة تنكيل مصورة بعد شهرين على الهجوم، فهذه عملية مكشوفة لا تليق بالجيش، ولا فائدة منها، بل لعلها حققت عكس اهدافها.
ثلاثة اعوام ونيف من اللجوء السوري، ولم يتوصل لبنان الى احتوائه وتنظيم التعامل معه. وما يجري تجهيله، لبنانياً، أن اعداد اللاجئين تضاعفت عشرات المرات بفعل غزوات “حزب الله” في القلمون والقصير وريف دمشق. ومنذ البداية، كان واضحاً، بالمقارنة مع ما حصل في الاردن وتركيا، أن الإشكال السياسي وقصر النظر كانا في اساس المقاربة اللبنانية لهذه المشكلة. فالحكومة السابقة، ذات اللون الواحد الموالي للنظام السوري، استعْدت اللاجئين الفقراء لأنهم معادون للاسد، فكانت غير معنية بهم ولو من منطلق أمني بحت. وعلى رغم اجراءات اتخذت بصعوبة، وبضغط من المنظمات الدولية، فإن الخطأ الاساسي وقع، وجاءت الحكومة الحالية لتجد أنه تفاقم الى حدّ يتعذر اصلاحه. ذاك أن الخلل في توفير ما هو انساني – اغاثي أدى الى خلل في الاحاطة بما هو سياسي – أمني، واستطراداً بما هو “داعشي” يمكن ان يخترق مخيمات بشر صاروا لاجئين وخسروا كل شيء، حتى لو فرض عليهم حظر التجول هنا وهناك.