Site icon IMLebanon

أين إيران بعد الإتّفاق النووي؟

ذكرَ الرئيس الإيراني حسن روحاني، في موقف لافت، أنّ نتيجة الانتخابات الأميركية التي فاز بها المرشح الجمهوري ترامب، لا تأثيرَ لها على إيران، مؤكّداً ذلك خلال اجتماع له مع الحكومة الإيرانية في 9 تشرين الثاني الجاري؛ «أنّ الولايات المتحدة لا تملك القدرة اليوم على نشر الـ»إيرانفوبيا» في العالم».

دخلت إيران بقوّة في صراعات منطقة الشرق الأوسط، من خلال تثبيت وجودها كقوّة إقليمية، جعلها غيرَ متأثّرة بنتائج الانتخابات الأميركية، ولا حتى بسياسات الرئيس المستقبلي للبيت الأبيض.

فعملت على إعادة رسم جيوسياسيتها، لأنّها تحمل مشروعًا شرق أوسطيًا، سيحقّق لها مكانة قوية، إقليمية ودولية، في المفاوضات الآتية، خصوصًا بعد فشل إيران الشاه في إعادة الإمبراطورية الفارسية إلى نقطة نفوذها السابق، وبعد وضعِ إيران المعزولة دوليًا نتيجة حربها مع العراق، وامتلاكها ملفًا نوويًّا.

لم تنتظر الجمهورية الإسلامية في إيران، الضوءَ الأخضر من أحد، لتفرض واقعًا جديدًا للمنطقة، فاتّبعت سياسة الكيل بأكثر من مكيال. فمِن جهة تراها المدافعَ الأول عن شيعة المنطقة، وتتحرّك عسكريًا وسياسيًا للدفاع عن هذه الأقلّية ورموزها الدينية، كما الحال في البحرين والعراق على سبيل المثال لا الحصر.

ومن جهة أخرى، تراها من المدافعين عن قضايا العرب الأساسية، لا سيّما القضية الفلسطينية، مع دعمِها لقوّة إسلامية غير شيعية كحركة حماس، أو تقف جنبًا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية، في دعم الإسلاميين السلفيين في الصومال.

على رغم هذه المواقف المتنوّعة، إلّا أنّ لإيران مشروعًا في الشرق الأوسط، تَقاطَع مع أكثر من مشروع، مِن أبرزها:

– المشروع الأميركي – الإسرائيلي، هو مشروع الشرق الأوسط الجديد. يهدف إلى تقسيم المنطقة وتفتيتها، وإعادة رسمِها جغرافيًا مع ما يناسب الكيان الصهيوني.

– المشروع العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية وحلفائها. هذا المشروع الذي يريد حصر القضايا العربية داخل جامعة الدول العربية.

– المشروع التركي – الأردوغاني، الذي يحمل في طيّاته حلم عودة الإمبراطورية العثمانية – تركيا اليوم إلى المنطقة من البوّابة السورية والعراقية.

– المشروع الروسي، الذي أتى تحت شعار الحفاظ على وجود مصالح روسيا في الشرق، من خلال تثبيت النفوذ العسكري والسياسي في سوريا تحديدًا.

– المشروع الكردي الساعي إلى بناء دولة قومية كردية لهم.

تتصارع في المنطقة، مجموعة من المشاريع تُدخِلها في دوّامة من نزاعات دموية. لذلك سَعت إيران إلى تحسين موقعها من خلال التدخّل المباشر، خصوصًا بعد الاتفاق النووي مع دول الست، ما أعطاها حافزًا معنويًا بتحقيق انتصار في مفاوضاتها.

إنّ إعادة التموضع للجمهورية الإيرانية، ارتكزَ على:

– ركيزة اقتصادية، من خلال إنعاش اقتصادها الذي كان يحتضر قبل الاتفاق النووي. فلجَأت إلى إقامة أكثر من اتّفاق على الصعيد الاقتصادي مع أكثر من دولة، بهدف دعمِ اقتصادها. على سبيل المثال، ذكرَ موقع «وكالة مهر الإيرانية للأنباء» أنّ إيران قدّمت عرضًا إلى شركة «غازيوم» الروسية من أجل تخزين الغاز الطبيعي.

– ركيزة عسكرية، عبر إعلانها إطلاقَ مزيدٍ من الصواريخ البعيدة المدى، وطوربيد «الحوت» المضاد للغوّاصات، في مناوراتها الحربية التي أجرتها في وقتٍ سابق في الخليج، مُثيرةً غضبَ إسرائيل والولايات المتحدة. وكان وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، قد أعلن سابقًا، عن اختبار الصاروخ «عماد» البعيد المدى، وهو من فئة صواريخ أرض – أرض، مصمّم ليكون دقيقاً في إصابته، حسبما أوردت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.

– ركيزة إقليمية، حيث سارعت إلى الانفتاح على الجانب التركي، وقد تجلّى هذا في الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس أردوغان إلى طهران. وعمدت أيضًا إلى دعم النظام السوري الذي ترى فيه، امتدادًا طبيعيًا لتطويق إسرائيل، ودعم الحركات المقاومة في كلّ من لبنان وفلسطين.

إن إيران بعد الاتّفاق النووي عمدت إلى توسيع نفوذها في المنطقة، في ظلّ رياح تغييرية تقتلع أسسَ المنطقة ومرتكزاتها، الأمر الذي فرَض عليها التدخّل أكثر من خلال تعزيز قوّتها العسكرية والاقتصادية، لتحسين وضعِها بشكل أفضل في مرحلة الحرب، كما في مرحلة السِلم لاحقًا.

أخيرًا، أدركت القيادة الإيرانية أنّ الوجود الأميركي في المنطقة، ومِن ثمّ الوجود الروسي، لن يقتصر فقط على العسكر. بل سيتعدّى ذلك، لرسم خريطة طريق جديدة للمنطقة، حيث يتمّ فيها تقاسُم للنفوذ. الأمر الذي دفعَ بها لتعزيز موقعها الجيوبوليتيك علّها، في موقفها هذا، تسجّل لها وجودًا لا يمكن الاستهانة به. كما تدفع بالدول الكبرى لإدراك أنّ أيّ حلّ في المنطقة لن يمرّ إلّا من خلال إيران.