لم يفلح الرئيس تمام سلام في النأي بحكومته عن الخلافات المتصاعدة التي تهدد بتعطيل عملها من خلال ترحيله البنود الخلافية التي كان مقرراً إدراجها في جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم إلى جلسات لاحقة. وحتى الادانة الرسمية للإعتداء الاسرائيلي في القنيطرة التي اعلنتها الحكومة في جلستها الاخيرة لم تنجح في إبعاد هذا الموضوع عن طاولة مجلس الوزراء بينما يخيم على الجلسة شبح الرد الاسرائيلي على عملية “حزب الله” ضد قافلة إسرائيلية رداً على هجوم القنيطرة.
بدت مشاعر القلق في الاوساط الرسمية والسياسية الداخلية كما الديبلوماسية واضحة. فعملية “حزب الله” أحرجت إسرائيل وأربكتها بعد رفع مسؤوليها سقف التهديدات بالرد على أي عملية يقوم بها الحزب، في سنة انتخابية لا يستطيع رئيس الوزراء الاسرائيلي التهاون فيها، في حين يبدو الوضع اللبناني واهناً وضعيفاً في ظل الشغور الرئاسي من جهة، والعجز الحكومي عن مواجهة الاستحقاقات الكبرى الداهمة من جهة اخرى.
وبينما أفادت مصادر دبلوماسية غربية أن هناك ضغوطا على درجة عالية تمارس على إسرائيل لثنيها عن خوض أي مغامرة حيال لبنان، إتخذت المخاوف الداخلية أكثر من خلفية لأن عملية الحزب في توقيتها وشكلها تنسف الكثير مما أمكن تحقيقه على الساحة الداخلية وتعيد إحياء الهواجس التي أُبعدت قسراً عن التداول الاعلامي مع إنطلاق الحوار السني – الشيعي قبل نحو شهر.
لم تستبعد مصادر وزارية مطلعة أن يطرح الموضوع من خارج جدول الاعمال إنطلاقا من مسألتين: الاولى ماذا سيكون موقف لبنان ووضعه إذا نفذت إسرائيل تهديدها وشنت هجوماً على لبنان؟ والثانية تتسم ببعد داخلي إنطلاقا من السؤال عن الوضع الحكومي وجدوى الحكومة الائتلافية إذا كان “حزب الله” الممثل فيها ثابتاً على تفرده في قرارات الحرب والسلم التي تعني لبنان واللبنانيين في الدرجة الاولى قبل أن تعني فريقاً أو محوراً واحداً. وأين يضع هذا التفرد الحكومة في تعاطيها والملفات الاستراتيجية المطروحة في ظل التحديات التي تفرضها الحرب المشتعلة في المنطقة؟
جاء رد “حزب الله” على عملية القنيطرة أسرع مما كان متوقعاً وفق المعطيات التي رجحت أن يلجأ إلى التريث وعدم التسرع. لكن امتناع الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله عن الاطلالة في ذكرى السابع لشهدائه في القنيطرة والانتظار حتى غد الجمعة عزز الانطباع بأن الحزب في صدد التحضير للرد متجاوزاً كل الاعتبارات الداخلية التي تملي عليه التريث. وهو بذلك أكد واقع أنه يعمل وفق أجندات خاصة به لا تقيم اعتباراً للحسابات الداخلية على صعيد الحكومة التي يتمثل فيها بوزيرين، أو للشركاء في الوطن او الحلفاء السياسيين.
فالحزب كان حرص على إضفاء إنطباعات جيدة حيال حواره المستجد مع تيار “المستقبل” مما رفع التوقعات الايجابية حيال إمكان حصول تقدم جدي وحقيقي من شأنه أن يخرق جدار الازمة. وسرعان ما بدا أن النتائج المرتقبة من الحوار لا تتجاوز حدود نزع الصور وتخفيف حدة الخطاب السياسي. اما في جوهر الامور، فثمة عجز لدى الحكومة والقوى السياسية المحلية ( باستثناء الحزب الذي خرج من الملعب الداخلي الى رحاب المعادلة الاقليمية) على التغيير في قواعد اللعبة التي يجري رسمها خارج الحدود اللبنانية. وهذا ما يفسر مثلا الضغط الاميركي على إسرائيل لوقف التصعيد وعدم الانزلاق الى رد أوسع على الرد.
والأسئلة التي باتت تقلق اوساط قوى 14 آذار ومن يمثلها في الحكومة تتمحور على الآتي:
– ما جدوى الحوار بين “المستقبل” والحزب إذا كانت الامور الاستراتيجية ستبقى خارج البحث وفي مقدمها سلاح الحزب وانخراطه في حرب سوريا وأخيراً تفرده في مواجهة إسرائيل، فيما الرئاسة خارج البحث وتنفيذ الخطة الامنية يستثني الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية؟
– ماذا عن تطبيق القرار الدولي 1701، وهل تستطيع الحكومة أن تسائل الحزب عن إلتزامه قبل أسبوع تطبيق هذا القرار بعدما سحب من يدها هذه الذريعة بتنفيذ عمليته من خارج حدود “الخط الازرق” بحيث لا تشكل العملية خرقا له؟
لا شك ان مجلس الوزراء مقبل على طرح العملية على طاولة البحث، ولكن السؤال هل يكون النقاش على غرار ما حصل في الجلسة الاخيرة عندما اجمع المجلس على إدانة هجوم القنيطرة وتأكيد تطبيق الـ1701، او سيمضي الوزراء نحو مناقشة ممثلي الحزب في العملية وإرتداداتها ومساءلته حول تفرده في قراراته؟