يروي المؤرخ الاسرائيلي توم سيغيف في كتاب جديد عنوانه دولة بكل الأثمان ان ديفيد بن غوريون لم يكن مهتما بالقدس. ولا كان منجذبا الى عاصمة داود التي فيها كثير من اليهود الأرثوذكس وكثير من العرب مفضلا البقاء مع المستوطنين في بتاح تكفا وأماكن أخرى. ويقول قيادي فلسطيني ان ادارة الرئيس دونالد ترامب طلبت من السلطة الفلسطينية ثلاثة تعهدات ونالتها، ثم قدمت خمسة التزامات بينها عدم نقل السفارة الأميركية الى القدس، واعتبار ان الأراضي داخل حدود ١٩٦٧ بما فيها القدس الشرقية أراضٍ محتلة.
لكن بن غوريون وكل قادة الحركة الصهيونية قاموا بتزوير التاريخ والجغرافيا وعملوا كل شيء للادعاء ان أورشليم القدس العاصمة الأبدية لاسرائيل. وترامب مزّق الالتزامات وتحدّى العرب والعالم وقرارات الشرعية الدولية بالاصرار على الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الأميركية اليها.
والسؤال البسيط هو: لماذا تجرّأ ترامب على فعل ما لم يقدم عليه الرؤساء السابقون برغم قرار ملزم من الكونغرس؟ هم تخوّفوا على المصالح الأميركية من غضب العرب والمسلمين. وهو استفزّ العرب والمسلمين كأنه واثق من ان ردود فعلهم ستبقى كلامية وعاطفية. والتحدّي مفتوح.
فكيف يرد العرب على التحدّي الأميركي والاسرائيلي، وان كان نقل السفارة الأميركية من عاصمة الصهيونية تل أبيب الى عاصمة اليهودية القدس حسب توم سيغيف، لا يبدّل الوضع القانوني للمدينة المقدسة؟ هل نكتفي بجعل القدس حائط مبكى لنا أم نرسم خطة لاستعادتها؟
الواقع تراجيدي. الرهان الفلسطيني والعربي على تسوية تحت عنوان حلّ الدولتين عبر الدور الأميركي أسقطه ترامب، ولم يكن سوى خدعة اسرائيلية. والرهان الحالي على تسوية برعاية روسيا وأوروبا والصين تصطدم بمعادلة قوامها: لا تسوية من دون أميركا، ولا تسوية مع أميركا. وليس في الأفق ما يوحي ان العودة الى الخيار العسكري على جدول الأعمال. فالعرب أعلنوا رسميا في قمة بيروت عام ٢٠٠٢ ان التسوية هي الخيار الاستراتيجي العربي، وبالتالي كرّسوا العجز عن تحرير الأرض المحتلة بالقوة.
ولا بد من استراتيجية تجمع كل أشكال المقاومة وكل أبواب الديبلوماسية لاستعادة الأرض أو أقله لاجبار العدو على دفع ثمن الاحتلال. إذ الوضع الحالي هو احتلال بلا كلفة، وسلطة بلا سلطة. فكيف اذا كنّا في انقسام لا علاج له بين الضفة الغربية وغزة؟ وكيف اذا كان العالم شبه صامت على مجازر اسرائيل في حق المتظاهرين سلميا في مسيرة العودة الكبرى؟