كان حزب «التيار الوطني الحر» معروفا لدى العامة والخاصة بأنه «حزب الجيش» ليس لان محازبيه عسكريون، انما لانه انطلق من صلب المؤسسة العسكرية التي كان رئيسها العماد ميشال عون قائدها لسنوات طويلة … ثم لان اركان الحزب الكبار كانوا (وما زال بعضهم) من القادة العسكريين الذين تحول فريق منهم الى نواب ووزراء … باعتبار ان «الجنرال» اختار مرشحيه الى السلطتين التشريعية والتنفيذية من معاونيه السابقين الضباط (امثال رفيقي دربه السابقين اللواء عصام ابو جمرة واللواء ادغار معلوف، وسواهما من ضباط باتوا نوابا) كما اختار بعضهم الاخر من الشباب الذين خاضوا معارك (في غيابه في المنفى) مع السلطة التي انتجتها الوصاية السورية في لبنان ونواب التيار جميعهم تقريبا من هذا الجيل الشاب.
والمفارقة الكبيرة اليوم ان «حزب الجيش» (بالمفهوم الذي اوضحناه اعلاه) بات في مواجهة مع الجيش في السياسة وفي الشارع ايضا. وفي تقديرنا ان هذا اهم ما يمكن لخصوم الجنرال عون ان يحلموا به.
فلربما كانت الاحتمالات كلها واردة لديهم إلا هذا الاحتمال الذي لم يكن يخطر في بال اكثر الخصوم تفاؤلا.
ولكنه حدث. والكلام الاخير، يوم السبت الماضي، الذي صدر عن العماد ميشال عون في الرابية، اثر الاجتماع الاستثنائي لتكتل الاصلاح والتغيير اثبت هذه الحقيقة، بالرغم من ان الجنرال واركان التيار يقولون: ان المواجهة ليست مع الجيش بل هي مع القيادة، ويضيف هؤلاء كلاما كثيرا يتهمون فيه القيادة العسكرية، والعماد جان قهوجي مباشرة، وبالاسم، بأنه المسؤول عن وصول الامور الى هذه المرحلة الدقيقة… الا انهم لا يقدمون اي دليل على ذلك. فالقائد الاسبق للجيش يتهم القائد الحالي بأنه «جاء بالسياسة والسياسيين الى الجيش». طبعا لم يشرح الجنرال عون كيف تم ذلك، في وقت يقول الكثيرون ان العماد قهوجي هو الذي سعى جاهدا لوقف «المد السياسي» في الجيش، ولابعاد السياسيين عنه… وان الجيش محصن فعلا ضد السياسة ما امكن الى التحصين سبيلا في العالم الثالث.
في تقديرنا ان العماد عون لم يوفق في العنوان، ولم يوفق في الهدف، ولم يوفق في التصويب. واذا كانت لديه معركة مع فريق، بل افرقاء سياسيين كثر، فلم يكن من المستحب ولا من المصلحة ان يفتح النار على قيادة الجيش بهذا الشكل. صحيح ان الجيش ليس منزهاً عن الانتقاد، لا المؤسسة ولا القيادة التي هي بشرٌ قد تصيب وقد تخطئ، ولكن ليس للعماد جان قهوجي دور في الصراع الدائر على الساحة حتى يكون في مرمى النار. والسؤال البسيط الذي يفرض ذاته هو الاتي: هل ان قائد الجيش كان سيبقى في موقعه لو لم يمددوا له؟! وهل قاد دباباته الى مكتب وزير الدفاع وفرض عليه ان يوقع تأجيل التسريح؟! ان المشكلة ليست مع الجيش، بل هي في مكان اخر، وفي تقديرنا ليست حتى مع اخصام العماد ميشال عون (فهل ينتظر من الخصم ألا يعمل لمصلحته وألا يضرب مصلحة خصمه؟!) انما المشكلة هي مع «حلفاء» العماد عون الذين دأبوا على خذلانه كلما كان الامر يدخل في الاساس والجوهر من القضايا التي يكون قد بنى عليها حسابات وامالا.
والرئيس العماد ميشال عون يعرف، من دون ادنى شك، هذه الحقيقة!