بعد سقوط مناطق استراتيجية واسعة بيد المعارضة السورية في إدلب وجسر الشغور وحماة وصولاً إلى درعا، وفرار آلاف المقاتلين من جيش الأسد وميليشياته باتجاه الساحل، وانتشار صور قادة فصائل المعارضة رافعين شارة النصر مكان صور قاسم سليماني الذي فشل في إدارة المعارك في سوريا والعراق، خرجت بعض الأصوات السورية «النظامية» على منابر الإعلام السوري الرسمي لتسأل عن حقيقة «دعم الحلفاء» ووعودهم: «أين إيران، أين حزب الله، أين السيّد»؟
من البديهي أن يقدّم الإعلام المناهض للنظام السوري، في إطار حربه النفسية المشروعة، تحليلات ومعلومات سياسية من شأنها المساهمة في تأجيج الصراعات المُؤجّجة داخل محور «الممانعة». لكن التجاذبات «الممانعاتية»، عندما تظهر الى العلن داخل المنظومة الإعلامية لهذا المحور، والتي أخذت أشكالاً من التخوين حيناً والتوسّل حيناً آخر، يصبح من الضروري طرح مجموعة من التساؤلات: ماذا يحدث داخل محور «المقاومة»؟ لماذا كل هذا الإحباط؟ ألا يثق كتّاب هذا المحور وجمهوره بـ»سيّد المقاومة» ووعوده «الصادقة»؟!
توسّع «التخبّط الداخلي»، ليشمل كتّاباً ومنظّرين أساسيين في هذا المحور. فكتب أحدهم، متوسّلاً إيران «ألاّ تترك الحصان وحيداً« (في إشارة إلى الأسد): «لا يكاد يمر يوم واحد، من دون أن يبادر مسؤول إيراني إلى تصريح ساخن ضد العدوان السعودي على اليمن. إلا أننا لا نسمع سوى صوت الصمت الإيراني الرهيب، إزاء الغزو التركي لشمال سوريا. هذا الصمت ودوافعه المعقدة في العلاقات الثنائية الودية بين طهران وأنقره، يشكّل ساحة سياسية للتحرك العلني في إدلب وريفها وجسر الشغور، في الأيام الصعبة التي تعيشها سوريا منذ أكثر من أسبوع»! هكذا بالحرف.
أجواء إعلام الممانعة المتشائم، إضافة إلى أجواء الصحف الغربية، ومنها الـ»واشنطن بوست« التي اعتبرت أن «انهيار الجيش السوري قد يؤدي الى نهاية سلطة الأسد»، أحبط جمهور «المقاومة» الذي لم يعتد إلا على أجواء «النصر الإلهي«!.
عمل نصرالله منذ سنوات على إشاعة ثقافة «النصر» المتواصلة. حتى إنه امتلك، بمعاونة منظومته الإعلامية، القدرة على تحويل إي إخفاق، سياسي كان أو ميداني، إلى «انتصار». صوّب نصرالله، في إطار إستراتيجيته الإعلامية لبناء الانتصارات، على أهداف يعلم جيّداً قدرته على تحقيقها. في عدوان تموز من العام 2006، ركّز نصرالله في خطاباته طوال 33 يوماً على هدف واحد: «العدوان لن يمنعنا من إمطار إسرائيل بالصواريخ». حقّق نصرالله هدفه «المُحقّق» وأعلن «النصر الإلهي». لم يُعِر «سيّد المقاومة» أي أهمية لالتزامه بالقرار 1701 ولانسحابه من جنوب الليطاني وللدمار الهائل الذي حلّ بالضاحية الجنوبية لبيروت وبالقرى الجنوبية وبالبنى التحتية في لبنان ولسقوط مئات الشهداء. فـ»سقوط الصواريخ تواصل على مدى 33 يوماً»! وفي الملف اليمني، صوّب نصرالله، مع علمه المسبق بخبايا المفاوضات الإيرانية مع العرب، وتعيين خالد بحاح نائباً للرئيس اليمني، على هدف واحد: «لن يعود عبد ربه منصور هادي رئيساً لليمن». لا يهم إن دمّر التحالف العربي ترسانة الحوثيين العسكرية وسيطر على الموانئ وأبعد إيران عن مضيق باب المندب. وفي سوريا، أعلن نصرالله مراراً «فشل الحرب على سوريا»، وشكر الأسد على صموده بوجه المشروع «الصهيوتكفيري«! ووصل به الأمر الى توزيع بطاقات الدعوة إلى مؤتمر «جنيف2» في ذروة التواصل الأميركي-الإيراني، عندما قال لدول الخليج وتركيا: «حضوركم يتيح الفرصة لمشاركتكم بالحل، لكن قد تخسرون هذه الفرصة لاحقاً«. إلا أن حسابات الحقل السوري لم تتوافق مع بيادر نصرالله. ونجاح «سيد المقاومة» في تحقيق «انتصارات إعلامية» في ملفات عديدة، لم تعد قابلة للتحقيق. فما كان «مقدّساً» لدى هذا الجمهور بات محط انتقاد. ووعود نصرالله الصادقة باتت محط شك. وإعلامه المتراص والمنتظم إلى جانب معاركه بات مشوّشاً ومهتزّ الصورة.
من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي و»المغرّدين» في الساحل السوري ومناطق سيطرة ونفوذ النظام، ومن يراقب الإعلام الممانع في لبنان، المرئي منه والمكتوب والمسموع، يعي ويدرك أن هؤلاء فقدوا ثقتهم بنصرالله وبـ»وعوده الصادقة». وربما باتوا على يقين أن كل تلك الانتصارات التي طالعنا بها «سيد المقاومة» ومنظومته الإعلامية لم تكن إلا انتصارات إعلامية من ورق.