في خضمّ ما تشهده الساحة المسيحية من تطورات ومستجدات، يُعتبر موقف «القوات اللبنانية» من ملف رئاسة الجمهورية من أبرز المتغيّرات، فخصم الأمس بات مرشّحها الأول. أمّا حزب «الكتائب» الذي شكل مع كلٍّ من «القوات» و»التيار الوطني الحر» الثلاثي المسيحي المتّحد أخيراً، فموقفه من الترشيح ما زال متردداً.
في هذا السياق قال النائب الثاني لرئيس حزب الكتائب الدكتور سليم الصايغ لـ«الجمهوريّة»: «إنّ «القوات» ما زالت تطرح فكرة ترشيح العماد ميشال عون ولم تتبناه بعد وهذا ما تبلغناه، لكن في حال حصل هذا الأمر فموقفنا واضح، إذ إنّ العملية ليست عملية أشخاص»، موضحاً: «لن نقبل بترشيح أي شخص على أساس أنه من «8 آذار»، بل أن يخرج من حيث ما هو، فلا بأس إذا كان منطلقه من هذا الفريق بشرط أن لا يحكم على هذا الأساس وأن يكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين وأن يكون وسطياً، فلا يجب أن يأتي لكي يُكرّس انتصار فريق على آخر».
وفي ضوء الصورة الضبابية التي تلف الإستحقاق الرئاسي وعدم تبنّي الكتائب مرشحاً واضحاً، أشار الصايغ الى «أننا مثلما تصرّفنا تجاه التسوية السابقة سنتصرّف تجاه ترشيح العماد ميشال عون، نريد أن نعلم على أيّ أساس هو مرشح وما هو مشروعه، القضية ليست شخصية ولا كيدية»، كاشفاً «اننا لن نقبل بأن يكون الرئيس من فريق «8 آذار» ورئيس الحكومة من الفريق الآخر، وأن يحكم كلّ منهما على أساس الفريق الذي ينتمي إليه، فلو عاد الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة فهو لن يستطيع أن يحكم من منطلق «14 آذار»،
لأنّ الحكومة ستكون مؤلفة من أفرقاء عدة، ويجب على رئيس الجمهورية بالتالي أن يتعالى عن النزاعات والانقسامات، كما هي الحال مع الرئيس تمام سلام الذي أُعلن ترشيحه من «بيت الوسط» إلّا أنه يحكم بلا تمييز بين فريق وآخر، وعندما يستعدّ أي مرشح للتصرّف على هذا الأساس يمكننا عندها البحث في الموضوع، لكن أن يأتي لتكريس انتصار وانكسار فهذا غير مقبول لأنّ لبنان لا يُحكم إلّا بمنطق التفاهم من دون وجود غالب ومغلوب».
وعمّا إذا كان ترشيح عون يُعتبر انتصاراً لـ»حزب الله»، أكد الصايغ: «لا نعرف ما هو برنامج عون أو ما الذي يريده، وعندما يقول «حزب الله» انّ هذا هو مرشحه، ماذا سيفعل هذا المرشح؟ وأي مخطط ينوي تنفيذه؟ ما هي العناوين العريضة التي ينوي تبنّيها؟
ماذا سيقول لحزب الله في شأن سياسته الداخلية والخارجية والأمنية؟ هل سيلتزم «إعلان بعبدا»؟ هل سيلتزم حياد لبنان الخارجي، أو قضية حصرية السلاح وأن يكون قرار الحرب والسلم في يد الدولة اللبنانية، أو أولوية الجيش اللبناني؟ إذاً ماذا سيفعل؟ هنا السؤال».
واعتبر «اننا لا نعرف مسار قرارات جعجع، فهو يطرح وجهة نظره في الاجتماعات، ومن الواضح رفضه ترشيح فرنجية. وهو يعتبر، في مقارنة بين وصول فرنجية أو عون، أنّ الأخير أفضل، غير أننا من جهتنا لا نأخذ العملية كقضية أشخاص بل الطريقة التي سيحكمون بها، فلا يجب أن ننسى أنّ التطرف يضرب المنطقة ونحتاج الى مسؤولين قريبين من الشعب ويعملون على ضمانات لاستقرار الوضع».
ولدى سؤاله: أخيراً، استطاع الأفرقاء المسيحيون الأقوى تشكيل قوة ضاغطة لفرض مطالبهم، فهل ستسقط هذه القوة بفِعل التباين بين مواقفهم تجاه هذا الملف؟ أجاب: «نحن لم نسِر في جلسة تشريع الضرورة، بل إنهم قصدونا في قضايا أخرى لنشكل معاً قوة ضاغطة لتفقد الجلسة ميثاقيتها في مجلس النواب، لكنّ «القوات» و»التيار» سارا يداً بيد في اعتبار أنّ ذلك قد يعطيهما انتصارات في قانوني الانتخاب واستعادة الجنسية.
وفي ملف الرئاسة نأمل في أن يجتمع الأربعة للاتفاق على مرشح واحد، لكننا لن نسير في التعطيل كما لن نسير في أيّ مرشح برنامجه مجهول وبلا ضمانات»، موضحاً أنّ «ترشيح عون معطّل ولا حظ له بالوصول، وترشيح جعجع له لا يهدف إلّا لتعطيل وصول فرنجية الى سدة الرئاسة، ونحن ضد التعطيل إذ يجب إعطاء كل ترشيح جدي يتمتّع بإمكانية الوصول الفرصة، وذلك على أساس ضمانات وضمن إطار واضح، وفي حال غياب هذه الشروط فنحن نذهب في اتجاه التسرُّع الذي سيرتد علينا جميعاً».
وسأل الصايغ: «من يعطّل ملف الرئاسة اليوم؟ الجواب هو «حزب الله» الذي لا يريد انتخاب رئيس، وإلّا لكان سار بفرنجية لأنه يتمتع بحظ أكثر من عون للوصول، لكنّ الحزب لا يريد حتى مرشحاً من فريق «8 آذار» لأنه لا يريد رئيساً بكل بساطة، واللعبة اليوم ليست في المرمى المسيحي كما يعتقد كثيرون، بل هي في مربّع «حزب الله» الذي يدعم عون لأنه يعلم أنه لن يصل.
وعند ترشيح فرنجية كُشفت نيّاته لأنّ لهذا الأخير حظاً بنَيل أصوات من الفريق الآخر، وبالتالي ليس ترشيح جعجع لعون هو من يعطّل، بل موقف «حزب الله» هو من يعطّل أيّ ترشيح للرئاسة».
ينتظر حزب الكتائب خروج جعجع بقرار نهائي لكي يبني على الشيء مقتضاه، وليعرف كيف يتموضع في ظل خيارات حليفه المسيحي المرتقبة، والتي ستحددها الأيام والأسابيع المقبلة.