حبر كثير سيسيل، وتحليلات وتعليقات ومواقف، ستزاحم بعضها بعضاً، وهي تحاول ان تقرأ بين سطور الاتفاق النووي الذي توصلت له الدول الكبرى الخمس، اضافة الى المانيا، مع دولة ايران، بعد حوالى اربع عشرة سنة، من «عض الاصابع» والمناورات والاخفاقات احياناً ثم اعادة التواصل مجدداً، حتى وصلت ايران زعيمة «محور الشر» الى اتفاق مع اوروبا والصين والولايات المتحدة الاميركية، «الشيطان الاكبر» على مدى اكثر من خمسة عقود.
البعض على قاعدة «عرفت شيئاً وغابت عنك اشياء» مقتنع بان الاتفاق النووي يخفي اتفاقات عدة «تحت الطاولة» تتعلق بمنطقة الشرق الاوسط، وربما ابعد قليلاً، في حين ان البعض الآخر لا يرى ان للاتفاق «سلطة إضافية» بل هو اتفاق حقق «مصالح ذاتية للفريقين»، ايران سوف تستعيد اموالها المجمدة، وهي طائلة، وتنشط ثروتها البترولية، وتكبّر اقتصادها، والدول الغربية، اضافة الى الصين، ستجد في ايران سوقاً واسعاً للاستثمار والتصدير، ولذلك نرى «هرولة» وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وحتى المانيا، لزيارة طهران قريباً واعادة العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية معها، دون انتظار مهل مراقبة تقيّد ايران بالاتفاق.
ما يهمنا نحن اللبنانيين من كل هذا الاتفاق، معرفة حجم انعكاسه على لبنان، ونوعه، وهل سيكون تأثيره سيئاً عند فريق 14 آذار، ومرحبا به عند فريق8 اذار، وهل سيشهد لبنان المزيد من الانقسامات بين ابنائه، او ان ايران ستحاول كسب ثقة العالم بان تتحوّل الى عامل تهدئة وسلام في لبنان.
ردود الفعل اللبنانية السريعة على الاتفاق، تسجل لدى قوى 8آذار مواقف متفاوتة، بين المهلل والمرحّب بلا حدود، ويعتبر انه انتصر في هذه المعركة على خصومه السياسيين، وبين من يعتقد ان الاتفاق قد يكون المفتاح الاساس لحل الاشكالات والخلافات، ويسهّل عملية انتخاب رئيس للجهمورية كما عبّر عن ذلك الرئيس نبيه بري.
في المقابل، تتخوف مصادر ديبلوماسية واعلامية عربية، من ارتفاع مبالغ الدعم المالي والعسكري التي تقدمها ايران الى الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، بعد ان تستردّ اموالها المجمّدة، وتشاركها في هذا التخوّف، قوى في 14 آذار، التي تخشى ان يمارس حلفاء ايران في لبنان الضغوط لفرض رئيس للجمهورية وقانون للانتخابات، وموظفين مدنيين وعسكريين لبعض المراكز الحسّاسة، ما يحوّل لبنان مجدداً الى بؤرة من التوتر السياسي والمذهبي، علماً بأن خطوط الاتصالات بين بعض القيادات اللبنانية ومسؤولين في الدول التي ساهمت في انجاز الاتفاق لمعرفة «موقع لبنان ومصيره»، وعلى ما تسرّب حتى الآن ان الاتجاه في المستقبل، سيكون نحو الاعتدال وليس بتغليب فريق على آخر، وان الرئيس الجديد للجمهورية سيكون وليد هذا الاعتدال، ما يعني ان هناك فرصة كبيرة للاتفاق على رئيس مقبول من الجميع او من معظمهم.
على اي حال، الوقت ما زال مبكراً، للقلق او الانشراح، لأن الله يخلق ما لا تعلمون.