IMLebanon

أين «١٤ آذار» من الإدانة الأمميَّة لـ«حزب الله»؟

لا بد من أن يتطرّق مجلس الوزراء غداً، من خارج جدول الأعمال، للحملة الديبلوماسية التي يتولّاها وزير الخارجية جبران باسيل في محاولة لمنع صدور مشروع القرار المطروح لدى «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة والمتصِل بإدانة «حزب الله» بسبب تدخّله العسكري في الصراع السوري.

بمعزل عن مؤديات الحملة الديبلوماسية وفرَص نجاحها أو فشلها، والدول التي تؤيد إدانة الحزب أو مسايرته، السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتمثّل بالآتي: ماذا سيكون عليه موقف وزراء ١٤ آذار في الحكومة من تحرّك باسيل، واستطراداً ما هو موقفهم أساساً من مشروع القرار المطروح؟ وألا يشكل هذا القرار مطلباً من مطالبهم؟ وألا يعتبر قتال الحزب في سوريا أحد أبرز النقاط الخلافية معه؟

تعقد الحكومة جلستها المعتادة غداً، و»مجلس حقوق الإنسان» يعقد دورته الـ ٢٨ الاثنين، وبالتالي الأمور أصبحت على مسافة أيام عملياً، ولا يوجد أي تصوّر بعد لكيفية تعاطي ١٤ آذار مع هذه المسألة. فهل هي أساساً من اختصاص وزارة الخارجية حصراً أم الحكومة مجتمعة؟

وإذا كان هذا البند خلافياً، لماذا على لبنان الرسمي أن يتبنى وجهة نظر معينة؟ وألا يفترض أن ينأى بنفسه لحماية وحدته، بدلاً من تصوير لبنان بأنه في محور المقاومة ضد المحاور الأخرى؟ ولماذا هذا الحرص من «حزب الله» على تجنّب الإدانة، فيما هو يجاهر بقتاله في سوريا، وكان قد دعا اللبنانيين إلى القتال إلى جانبه في معاركه السورية؟

لا شك انّ «حزب الله» لا يريد ان يتمّ وضعه دولياً على قدم المساواة مع «داعش» و»النصرة» وغيرهما من التشكيلات الإرهابية التي تقاتل في سوريا، الأمر الذي يجعله بالمصاف نفسه معها.

وبالتالي، يفضّل التعميم من قبيل أن يتحدث القرار عن المقاتلين الأجانب، ومن دون الإشارة بالاسم إليه، وهذا دليل إلى مدى حساسيته على القرارات الدولية خلافاً للصورة المغايرة التي يحاول أن يعكسها ويطلّ بها.

وإذا كان من الطبيعي أن يستخدم «حزب الله» نفوذه داخل الحكومة من أجل تظهير مدى تضامن لبنان الرسمي معه، وخوض مواجهة شرسة لمنع صدور أيّ قرار يدينه، ماذا في المقابل عن ١٤ آذار التي يؤدي سكوتها داخل الحكومة إلى الآتي:

أولاً، توفير الغطاء الوطني للحزب من أجل أن يواصل قتاله في سوريا.

ثانياً، الظهور بمظهر من يكتفي برفع الصوت شكلياً، فيما التسليم عملياً بقتاله خارج الحدود اللبنانية، خصوصاً أنّ الدعوات لانسحابه تبقى صوتية ما لم تترافق مع خطوات عملية.

ثالثاً، الوقوف مع الحزب ضد الشرعيتين العربية والدولية، الأمر الذي يعزل لبنان وينعكس سلباً عليه سياسياً واقتصادياً، خصوصاً في ظل أزمة اللاجئين السوريين وحاجة لبنان إلى المساعدات.

رابعاً، تسجيل الحزب هدفاً نوعياً في مرمى ١٤ آذار من خلال مواصلة قتاله وضمان سكوتها.

خامساً، تراجعها عن سياسة ربط النزاع في القضايا الخلافية لمصلحة ترييح الحزب على المستويات كافة.

سادساً، فقدانها علة وجودها كفريق سياسي يناضل من أجل تحقيق أهدافه الوطنية.

ولكن، لا يجوز بالتأكيد وضع الملامة على الفريق الوزاري لقوى ١٤ آذار قبل معرفة الموقف الذي سيتخذه في الحكومة غداً، والذي يفترض أن يكون موقفاً عملياً لا شكلياً، أي أن لا يتمّ الاكتفاء بتسجيل اشتباك سياسي، فيما المطلوب عدم تظهير انحياز لبنان الرسمي لمصلحة الحزب في موقف يعبّر أساساً عن موقف ١٤ آذار التي كانت السبّاقة برفض قتال «حزب الله» في سوريا.

فالمسألة المطروحة لا تشكّل تحاملاً على الحزب، بل هي واقعة سياسية حقيقية، وأيّ غضّ نظر لبناني يشكل تشريعاً لقتاله السوري، ويدخل لبنان في استثناءات غير موجودة في القانون الدولي إلّا في لبنان، وذلك من قبيل وجود دولة ومقاومة على أرض واحدة، واعتبار قتال كل المجموعات غير السورية على الأرض السورية إرهابية، فيما الحزب يريد تصوير قتاله في سوريا بأنه شرعي ومشروع.

وسياسة انتقاد المواقف التي تصدر عن المسؤولين الإيرانيين مقابل غضّ النظر عن تبنّي منبر أممي لمطلب 14 آذاري لا تجوز، لا سيما أنّ غضّ النظر هذا يمارس من قبلها، فيما الفريق الآخر يُصوِّر أنّ لبنان الرسمي يقف إلى جانبه.

ويفترض موضوعياً أن تكون 14 آذار مع مشروع القرار لدى «مجلس حقوق الانسان» الذي يدين تدخل «حزب الله» في سوريا، لأنه ينسجم مع قناعاتها وأهدافها ومواقفها، وخلاف ذلك يشكّل إدانة لها، إلّا في حال كان لديها وجهة نظر أخرى تستدعي شرحها لجمهورها والرأي العام اللبناني.

فإذا كان مفهوماً التراجع عن مبدأ الجلوس في حكومة واحدة مع الحزب في حال لم ينسحب من سوريا، ولكن هذا التراجع تمّ مبدئياً وفق القاعدة الآتية: «حزب الله» يواصل قتاله في سوريا، و14 آذار تواصل انتقاده. والفارق الوحيد في هذه المعادلة هو انهما قررا الجلوس معاً مجدداً، ولكن من دون أن يبدّل أيّ منهما في موقفه وسَعيه، إن لمواصلة القتال، أو لمواصلة الانتقاد.

وفي اللحظة التي تنجح فيها 14 آذار بتدويل موقفها، بشكل أو بآخر، من أجل مزيد من الضغط على الحزب للانسحاب من سوريا، يظهر وكأنها تتراجع أو غير مكترسة للأمر، فيما القضية بغاية الأهمية، ولو من الزاوية المعنوية لا الإجرائية، كونها ليست تحت الفصل السابع.

ولكن هذه الزاوية المعنوية بالذات هي التي دفعت «حزب الله» إلى تحريك الديبلوماسية اللبنانية وكل اتصالاته وعلاقاته في سياق حملة استباقية لمنع إدانته بالاسم من هذا المنبر الأممي، الأمر الذي يؤشّر بوضوح إلى رمزية هذا القرار وأهميته.

وإذا كان أحد يتصوّر أنّ الحزب يمكن ان يخرج من سوريا من تلقاء نفسه قبل انتهاء الأزمة السورية فهو مخطئ، وبالتالي الضغوط العربية والدولية هي المعبر الأساس لهذا الإخراج. وما يجدر ذكره أنّ تصنيفه إرهابياً في سوريا لا ينطبق على واقعه اللبناني، حيث هناك تمييز عربي ودولي على هذا المستوى، الأمر الذي يصبّ في مصلحته.

ويبقى أنّ على 14 آذار أن تقول كلمتها، فإمّا أن يكون لبنان الرسمي مع القرار الذي يفترض صدوره، وإمّا أن ينأى لبنان الرسمي بنفسه عن كل هذه القضية، أو تنأى 14 آذار بنفسها عن السياسة.