انتخابات مصر: لا مخالفات.. ولا ناخبون!
ــــ ١ ــــ
هذا ما يدور حوله الجدل في مصر، ضاحكاً شامتاً من المعارضين، ومصدوماً مفزوعاً من الموالين للرئيس السيسي والآملين في مهمته لإنقاذ البلاد.
الشعب لم يهتم بالانتخابات البرلمانية كما تقول مؤشرات المرحلة الأولى، وهي عادة قديمة تلغي الاهتمام العابر بعد 25 يناير.
لكن العادة القديمة تأتي مصحوبة بجو دراماتيكي مؤثر، حيث نصح السيسي عشية الانتخابات بالظهور ودعوة الشعب إلى الاحتشاد، وهو ما اعتبر مغامرة أو مقامرة بـ «شعبيته»، مع القياسات التي رصدت «عزوف» الناس في مصر عن متابعة الانتخابات، لأسباب شارك فيها السيسي نفسه حيث أبدى مرات عدة عدم الاكتراث بالبرلمان إلى حد قيادته حملة تغيير دستور 2014 حتى بدت كأنها المهمة الوحيدة لمجلس النواب الذي تأخر استحقاقه أكثر من عام ونصف العام.
وهنا ليس الغريب عدم «اهتمام» الناس بحدث غير مهم أو شكلي أو مجرّد مسرحية احتفالية لاستكمال نظام يقوم حول السيسي، ويسمح له باحتواء السلطات جميعاً.
الغريب هو إقدام السيسي على دعوة الاحتشاد لما يرفضه بشكل معلن، أو ما اضطر إليه تحت ضغوط خارجية، لكي يستكمل «الاعتراف الدولي» به.
وهذه كانت ذروة إفراغ الانتخابات من معناها، ودفع النقاش إلى اعتبار الغياب (الصادم حتى لمعارضي النظام) مؤشراً على تدهور شعبية السيسي ذاته.
عدم الاهتمام سابق على الانتخابات نفسها، لأن السيسي قرّر إعادة تأسيس نظام يطرد الناس من مسرح السياسة، لكي يحكم وحده تقريباً، وهذا الطرد الذي تمّ بطرق ناعمة أو حنون، أو بوسائل عنف سلطوي، اعتمد على التفويض «بمعناه الشعبوي» أكثر من الانتخابات (بمعناها الديموقراطي..) … وهي عملية لا تعيد ديكتاتوريات الفرد السابقة، ولا تغلق المجال السياسي، لكنها تضع الدولة كلها رهن «إرادة» فرد واحد، وتعيدها إلى ما قبل الدولة الحديثة، حيث البيعة بما تمثله من انسحاب المواطنين من الشأن العام، واحتقار السياسة (بما تمثله من عملية تغيير متواصل)… وهنا غاب الشباب وهم قوة في مصر تتجاوز عددياً نسبة 65% من السكان، وتأثيراً باعتبارها القوة المعطلة للخضوع، في مواجهة كتل مساندة الشيخوخة من أصحاب المصالح أو من يمكن تسميتهم «منتظري الاستقرار» أو «عباد الدولة» الذين يقيمون طقوس عبادتهم على إيقاع الخوف (من عدو داخلي ومؤامرة كونية) وفقدان (البديل) ويرون المستقبل في الركود حسب طبيعة سكان الوادي.
ولهذا وصل فزع كهنة «الدولة وجوقتها» و»الاستقرار» من غياب الحشد إلى حد شتيمة «الشعب» برغم أن دعايتهم بعد حزيران (يونيو) 2013 قامت على إخلاء الساحات للفرد المنقذ/ المخلص.
ــــ 2 ــــ
أين الشعب؟
ما زال مذعوراً بعد نفاد تأثير الوعود، وتكثف غيوم «أزمة اقتصادية» يتوقع الجميع أن تصل إلى مرحلة الكارثة.. فالجنيه ينهار رسمياً أمام الدولار (سيصل السعر الرسمي قبل نهاية العام إلى حدود الثماني جنيهات و14 قرشاً)، كما أن المشروعات الكبرى (من المؤتمر الاقتصادي وحتى تفريعة قناة السويس) يكتشف أنها كانت عبئاً على الاحتياط النقدي (مثلاً الدين الداخلي تجاوز 2 تريليون دولار واحتياطي الدولار يتناقص بمعدل 2 مليار شهرياً إلى أن وصل إلى 15 ونصف المليار أغلبها ودائع خليجية..) إضافة إلى شلل الاستثمار الخارجي والداخلي وارتفاع الأسعار والتهديد بعدم وفاء الدولة بالتزاماتها.
يصاحب ذلك نضوب الدعم الخليجي، وعودة أساليب مباركية مثل مقايضة التمويلات الخارجية بإجراءات في فك القبضة الأمنية (ولا يمكن إغفال ارتباط الإفراج عن 100 معتقل سياسي بالموافقة على قرض البنك الدولي بـ3 مليارات دولار على 3 سنوات..).
وفوق كل ذلك هناك فقدان لما يسمى التحالف السياسي/ الاجتماعي حول السيسي، الذي ما زالت طبيعته العسكرية تحكم تصوراته عن الحكم، منفرداً وبقيادة الوحش البيروقراطي الكبير (بمقدمة أمنية)، مستبدلاً بها فكرة التحالف أو مكتفياً بطالبي رضا السلطة من «فلول» العصابة المباركية أو أجيالها الجديدة، أو من الحالمين بموقع متقدم في نادي الحبايب.
كل العناصر نجحت في إحكام «قبضة» السيسي، إلا أنها تنذر بدفع ثمن هذا النجاح، الذي يبدو للمفارقة بديلاً عن النجاح في العبور بالدولة من مرحلة الارتباك بعد الثورة إلى حل الأزمات المتعلقة بالاستقرار …
والفشل… لن يدفع ثمنه السيسي وحده كما يظن معارضوه.
ــــ 3 ــــ
هل اختفاء الشعب من «عرس الصناديق» ضد السيسي أم تفويض جديد له؟
والسؤال كله مؤشر مرعب على أن الديموقراطية تحولت إلى استفتاء على «شعبية» الحاكم.. أو إعادة طلاء القصر.
ما زالت الديموقراطية طريقاً للديكتاتورية. هذا ما يفعله حتى معارضو الأنظمة أو مقاومو اكتمال الديكتاتور.
الديموقراطية ليست «اختبار» شرعية كما يريدها المقيمون على خط العجز والإحباط. ولا عرس أو احتفال متجدداً بتعميد «السلطوية» وعبادها، كما يراها الصارخون بعبارات من نوع «انزلوا (للانتخابات) من اجل السيسي»…
الديموقراطية عملية من أجل أن تكون السياسة «الحالة المؤقتة للأشياء» وفعاليتها (المشكوك فيها الآن عالمياً) وليست في كونها عرساً أو مناحة ولكن في تدويرها للاعبين والسحرة.
وهنا لا يمكن اختصار الديموقراطية في «لقطة» العرس الصناديقي… لأنها لا توفر حتى متعة الفرجة. على الأقل ستصيب «الشعب» بملل «اللقطة» الواحدة.