IMLebanon

أين «أمراء إمارة من الشرق الى البحر»؟ هل سقط مُخطط إعلانها؟

مع اقتراب العملية العسكرية التي نفذها الجيش اللبناني في طرابلس والمنية من نهايتها ، بعد تجاذب طويل بين الفتنة التي ارادت من طرابلس عاصمة لها، وبين الجيش ، الذي نجح وبحسب مصادر شمالية في منع تحويلها ساحة للاقتتال الطائفي أو منفذا بحريا للجماعات الارهابية، تكشف المشهد على وقائع سياسية وعسكرية تعكس حساسية «القطوع» الذي نجا منه لبنان بعدما نجح في اجتياز الفخ الذي اعد له شمالا ، وان على الطريقة اللبنانية.

في نهر البارد انتصر الجيش وفر شاكر العبسي ومن معه من قيادات فتح الاسلام باتجاه عيون السمك ومنها الى سوريا ، وفي عبرا حسمت المعركة وتوارى الشيخ احمد الاسير في عين الحلوة، اما في عرسال فمعركة مفتوحة على جولات مقبلة باعتراف المسؤولين العسكريين ، وسط معضلة العسكريين الاسرى التي ما زالت ارتداداتها مستمرة ، وظهرت جليا في احداث طرابلس.

ومن خلف غبار المعارك المنتهية في طرابلس، أطلّت علامات استفهام حول ملابسات انسحاب المسلّحين تضيف المصادر بعد تطويقهم في باب التبانة، وسط تسريبات عن تسوية مهّدت لخروجهم تفادياً لمزيد من الأثمان البشرية في صفوف الجيش والمدنيين في مقابل حرص المؤسسة على النفي وبشدة اي كلام عن تسوية وتأكيد مصادرها ان هروب من بقي من المسلحين كان نتيجة تسليمهم بالهزيمة.

قد يكون من السابق لأوانه إعطاء التقويم النهائي لما جرى، لكن النتائج في طرابلس مشابهة تقريبا للنتائج في عبرا تؤكد المصادر، مع فارقٍ اساسي وهو أن الشمال أوسع بكثير جغرافيا وهو على تماس مع الحرب السورية، ومن باب التسرع الجزم في أن ما حدث هو المعركة الأخيرة وإن كان «الحسم» على الأرض أوحى بذلك. فمعركة مواجهة الإرهاب نجحت لكن ما حصل بحسب المصادر ليس وليد حالة محلية وإنما هو نابع من ارتدادات الحروب في المنطقة وخصوصا في سوريا.

فسيناريو التسوية السريع الذي طبخه رئيس الحكومة بالتعاون مع سياسيين طرابلسيين في مقدمهم مسؤول سابق رفيع ودار الفتوى بتدخل من جهة اقليمية فاعلة على الساحة اللبنانية، تحت عنوان تأمين مخرج آمن للمدنيين، وعارضه قائد الجيش، سمح بتأمين خروج المسلحين على مرحلتين، الاولى من الاسواق القديمة، «بمباركة» من الجيش ، باتجاه باب التبانة حيث تم تجمعهم، والثانية باتجاه جرود الضنية – عيون السمك حيث انضموا الى مجموعة الشيخ حبلص، قبل الانتقال الى جرود عرسال . علما ان بعض المصادر تحدثت عن اخراج الثنائي منصور – المولوي من طرابلس قبل اندلاع الاشتباكات بعلم احد القادة الامنيين في المدينة.

معلومات عززها الكلام الذي ادلى به الرئيس تمام سلام في طريقه الى ألمانيا، حيث كشف أن هناك الكثير من الإجراءات والترتيبات التي تتخلل دائما المواجهات العسكرية والأمنية وتواكبها، وهذا إيحاء بأن هناك ترتيبات ما واكبت انتهاء المعركة، ما يطرح السؤال: «هل انتهت طرابلس نهائيا»؟ وما هي المنطقة التي تنطبق عليها صفة «التالي»؟

بإنتظار الإجابات عن هذه الأسئلة يبقى ملف المخطوفين في الواجهة، حيث بينت الوقائع الميدانية، وعلى حدّ قول مصادر متابعة للملف ان «جبهة النصرة» بقيادة ابو مالك التلي امير منطقة القلمون والمكلف الملف اللبناني، والذي تولى الاشراف وادارة المعارك في طرابلس، استخدم ورقة العسكريين الاسرى للضغط باتجاه وقف المواجهات، ساعده على تحقيق هدفه، واعلانه «نصره المزعوم» حرص قيادة الجيش على حقن دماء المواطنين، خاصة ان المناطق المشتعلة معروفة بكثافتها السكانية، في ظل غياب تام لداعش منذ لحظة توقيف خلية عاصون ، علما ان مجموعات الدولة الاسلامية هي من فتحت المعركة جارة النصرة اليها . امر يعيده المراقبون الى قدرات التنظيم المحدودة التي لا تسمح له بفتح معركة كبيرة من دون غطاء واسع.

ففي سلوك هو الاول من نوعه منذ فتح ملف العسكريين الاسرى تضيف المصادر، دفعت «جبهة النصرة» بحربها النفسية ضد الاهالي الى اعلى مستوياتها، اولا، من خلال تكرار تحديد المواعيد لقتل علي البزال ثم ادراج اسم جورج خوري كورقة ضغط في محاولة لحشْر الجيش وإدخال تعقيدات اضافية على عمليته شمالاً، وثانيا من خلال توزيع صور مذلة للعسكريين ظهروا فيها وهم يبكون وبثياب رثة وذقون طويلة وهم يسيرون حفاة في احد الاحراج، مع مفارقة عدم ظهور البزال لاسباب ما زالت مجهولة حتى الساعة.

وبلنتظار تسلم الحكومة اللبنانية لائحة المطالب من الموفد القطري الذي وصل الى بيروت، وسط معلومات عن أن غالبيتها أصبحت مالية وتأمين ممرات آمنة، اعادت مصادر متابعة التاكيد على ان عملية التفاوض ليست سهلة لان الامور ابعد من مسالة مقايضة باسم من هنا او آخر من هناك، مؤكدة ان الايام الاخيرة من التفاوض غير المباشر عبر قنوات لبنانية وقطرية حملت معها مطالب جدية من الخاطفين يمكن التفاوض والمساومة حولها باعتبارها لا تمس المسلمات التي وضعتها الحكومة اللبنانية، متمنية ان تساهم نتائج «التسوية» الطرابلسية في تسريع قطار التفاوض بعد عملية المد والجزر والتهديد والوعيد التي شهدتها الايام الماضية، رغم اعتقادها بان الملف مرتبط بمسائل اكبر من لبنان وحكومته.

في طرابلس هناك شيء مشابه لعبرا إلى حد أن البعض سماها «عبرا لثنين»، فعلى غرار الشيخ أحمد الاسير، توارى من بحنين الشيخ خالد حبلص ومن طرابلس شادي المولوي وأسامة منصور، فهل سقط مخطط إعلان الإمارة من الشرق إلى البحر؟

من الواضح القول إن الجيش نجح في معركته ضد الإرهاب في طرابلس لكن من الواضح ايضا أن هناك سؤالا يطرح نفسه وهو: هل انتهت موجات العنف في المدينة؟ وما هو المطلوب لعدم تكرارها؟ الجواب لا بد أن يمر بحقيقة راسخة عبر عنها قائد الجيش بوضوح: لولا مساعدة الاهالي ومعلوماتهم الدقيقة لما نجحت العملية العسكرية.