من غرائب الصدف ان يظهر مجلس النواب من دون رابط بينه وبين الحكومة، قياسا على ما حصل في جلسة اللجان النيابية التي قاطعها الوزراء واقتصر حضورها على وزير واحد من اصل سبعة الامر الذي يؤكد وجود ضياع في السلطة التشريعية التي ظهرت اخيرا، وكأنها شركة تجارية مفلسة ما يعني ان الاسوأ مرشح الحصول، حيث لا جلسات نيابية محترمة وحيث لا جلسات لانتخاب رئيس للجمهورية، بما في ذلك الجلسات التشريعية التي اصبحت مرهونة بمصالح بعض من يريد للمجلس ان يكون سلطة واخرين يرونه مجلس ديكور ليس الا؟!
ان الكلام الذي قاله اول امس امين سر اللجان النيابية المشتركة ابراهيم كنعان لم يصادف رد فعل بحجم الانتقاد الذي وجهه الى الوزراء الذين تغيبوا وهكذا بالنسبة لغياب النواب ممن سبق لهم ان تقدموا باقتراحات قوانين، اي ان الغياب يكاد يتأصل في تركيبة المجلس، فضلا عن انه لو كانت حاجة الى نصاب لما كانت الجلسة قد انعقدت، ما دفع النائب فريد مكاري رئيس الجلسة الى توجيه انتقاد لاذع لكل من غاب عن الجلسة وزيرا كان ام نائبا، وفي الحالين ثمة من يجزم بأن الذين يتحاورون يفضلون القاعات المغلقة على ما عداها لانها اسلم عاقبة؟!
والذين لم يعجبهم هذا التحليل، لا بد وان يصلوا في وقت لاحق الى ما يؤكد لهم ان مجلس النواب يعاني «سكرات الموت» طالما ان «التمديد» لم يعد يشجع احدا على ان يكون جديا في دوره النيابي والامر عينه ينطبق على الوزراء ممن يعرفون ان هناك استحالة لان يعودوا الى احجامهم الطبيعية بعدما تبين لهم وجود عقبات امام تغيير الحكومة لشهر او لسنة ام لاكثر، حيث لا انتخابات رئاسية ولا انتخابات نيابية بعد انقضاء اكثر من ثمانية اشهر على الفراغ في قمة السلطة!
من حيث المبدأ لا بد من سؤال رئيس مجلس النواب نبيه بري عما يمنع السلطة التشريعية من ان تشرع قانونا للانتخابات النيابية؟ هل لان التمديد للمجلس اسهل من اجراء الانتخابات واوفر على جيبة السياسيين ممن باتوا يعرفون تماما انهم لن يعودوا الى المجلس بالنسبة الى فشلهم المضاعف في القيام بواجباتهم وبالمطلوب منهم ان لجهة التشريع او لجهة مراقبة العمل الحكومي فكيف يكون الامر عندما يغيب التشريع وتغيب معه مراقبة الحكومة التي تعرف تماما انها بعيدة من المراقبة ومن المحاسبة ومن كل ما من شأنه معرفة ما فعلته خطأ او لم تفعله بتاتا؟!
ماذا بعد هذا التفصيل في عدم قيام مجلس النواب بالمطلوب منه؟ وماذا بعد هذا الشرح لجهة عدم قيام الحكومة بالمرجو منها باستثناء تقطيع الوقت والزعم انها موجودة، خصوصا انها لا تعرف المطلوب منها لمجرد انها حكومة تصريف اعمال مطالبة اولا بانتخاب رئيس للجمهورية ومطالبة ثانيا باعداد قانون للانتخاب، وهي وان لم تفعل شيئا فانها تبدو مستمرة في جمودها السياسي المنقطع النظير طالما ان احدا لم يسألها عما فعلته وعما لم تفعله على امل محاسبتها امام مجلس النواب؟!
واللافت في هذا المشهد السياسي هو انعدام لحظ المسؤولية في عمل مجلس النواب ليس لانه عمل شيئا بل لانه لم يقدم على عمل من شأنه تصويب سلطة الحكم، اسوة بما لا تقوم به الحكومة المطالبة بدورها بان تقدم كشف حساب عما فلعته بطريقة خاطئة وعما لم تقدم عليه في مجالين اساسيين: الاول وضع قانون للانتخابات النيابية، اما المجال الثاني فهو تجاهل ما هو مرجو بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية واذا سلمنا جدلا بان الوزراء لم يعودوا موجودين فاننا لا نظلمهم بقدر ما نقول عنهم كلمة حق من شأن الخوض فيها القول ان لا مجلس نواب وان لا حكومة في البلد؟!
وتعود الذاكرة الى ايام الحكم السوري في لبنان، حيث كان المجلس ينعقد بقوة الامر الواقع كما كانت تجري الانتخابات النيابية ومعها الرئاسية بما يشبه التعيين، وعلى من لا يصدق هذه الدلالات ان يرجع الى ايام الوجود السوري ليتأكد ان الامور كانت تجري افضل بكثير مما عليه الان، فضلا عن ان من لم يكن يحلم بالوصول الى مجلس النواب كانت تكفيه زيارة او زيارتين الى عنجر او دمشق ليعود بدرع التثبيت؟
واذا كان هناك من يستغرب هذه الذكريات فليدلنا على مصير قانون الانتخابات بما في ذلك انتخاب رئيس الجمهورية، علنا نعرف كيف نفاضل بين تلك الاونة وبين ظروفنا الحالية؟!
السؤال المطروح: هل بوسع احد تحميل المسؤولية للرئيس نبيه بري او لتشكيلة الاقطاب السياسيين الذين يعرفون طرق ووسائل اللعب على الحكم اكثر من معرفتهم بالوسائل التي تؤمن عمل مؤسسات الدولة قياسا على ما هو مرجو قبل استعادة صور الحكم الهزيلة وما اكثرها؟!