ليس مستغرباً أن يشن رئيس “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون هجوماً وإن غير مباشر على كل من “تيار المستقبل” ورئيس المجلس النيابي نبيه بري من خلفية اقتصادية تجلت في انتقاده لقاء البيال، بما ان بصمات الفريقين المشار اليهما بدت واضحة في التمثيل الاقتصادي والنقابي لذلك اللقاء، ولكن ما يبدو مستغرباً ان يُستدرج عون إلى معطيات ومؤشرات اقتصادية لا تعكس واقع الاوضاع ولا تمثل الصورة الحقيقية لما تمر به القطاعات الاقتصادية والانتاجية، والتي تنسحب بدورها سلباً على المواطنين ومصالحهم.
لم يفت عون التفكير في أن “تحريك” الهيئات الاقتصادية والاجتماعية في وجه التعطيل، يستهدفه مباشرة بما أن الاتهامات السياسية التي توجهها قوى 14 آذار بما فيها تيار “المستقبل” تحمله مسؤولية تعطيل إنتخاب رئيس للجمهورية، كما تحمله مسؤولية تعطيل الحكومة.
وهو يبني على إعتقاد أن توقيت التحرك يعزز نظريته هذه، لأن الهيئات الاقتصادية والنقابية ( التي تمثلت في إجتماع البيال بغياب هيئة التنسيق) لم يحصل طيلة فترة الشغور الرئاسي الذي ولج عامه الثاني، بل حصل عقب تعطل الحكومة.
من هنا، كانت إتهاماته مباشرة إلى ” المعترضين على الوضع الاقتصادي وأصحاب المصالح الذين يدعون الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية الى التحرك”، معتبراً ان “هناك من يحرك هؤلاء”.
لكن أين مصلحة عون في القول إن “الاقتصاد جيد جدا”، مع عودة إلى نغمة “أن البلد مسروق”، (وهو كان تراجع عنها عندما لمس تقاربا مع تيار “المستقبل”)؟ وهل كلامه يعني ترديا في العلاقة مع التيار الازرق بعدما خذله رئيس التيار في موضوع تعيين صهره العميد شامل روكز قائدا للجيش قبل إنتهاء ولاية العماد جان قهوجي بأربعة اشهر؟
وعلى مقلب مسيحي، سؤال يطرح نفسه حول مصلحة عون ومصلحة تياره الذي ينشط في الدفاع عن حقوق المسيحيين بالقول ان الامور جيدة في غياب رئيس للجمهورية؟ وهل هذا يعني ان البلاد يمكن ان تسير في شكل طبيعي من دون رأس السلطات الدستورية؟
اما على المقلب الاقتصادي، فثمة اكثر من سؤال يطرح عن المعطيات التي يملكها عون حول وضع الاقتصاد، والتي تدحض الارقام والمؤشرات الصادرة عن الدوائر المعنية والمؤسسات التي تتمتع بصدقية في التعامل مع المؤشرات الاقتصادية، والتي تجمع من دون أي شك على ان الاقتصاد ليس بخير وان ثمة تحديات وأخطاراً كبيرة تتهدده وتتهدد النمو في ظل الاوضاع المشتعلة في المنطقة وما ترتبه على الحركة التجارية والسياحية والتصدير، فضلا عن التداعيات السلبية لأزمة اللاجئين السوريين التي ترهق الاقتصاد وتنهك البنى التحتية، وتضيق فرص العمل امام اللبنانيين تحت وطأة المنافسة الحادة للعمالة السورية؟
قد يكون صحيحاً قول العماد عون إن الاقتصاد جيد مقارنة بما كان يجب أن يكون عليه في ظل الاثقال السياسية الداخلية التي يرزح تحتها بفعل المناخ السياسي المتشنج، معطوفا على وضع إقليمي غير مؤات، وهذا ناجم عن مناعة إكتسبها بفعل جهود جبارة تُبذل على أكثر من صعيد لمنع إنهياره. ولكن هذا الاقتصاد بعينه كان يمكن أن يكون في حال أفضل لو عمل بقدراته الفعلية ونجح في إقتناص الفرص المتاحة أمامه لو تأمن له المناخ التشريعي والاستثماري والتحفيزي القائم على عنصر الثقة، فضلا عن الدعم الحكومي لتسهيل معالجة الازمات الطارئة بفعل إقفال الحدود والمعابر، الامر الذي حول البلاد إلى جزيرة ولكن غير معزولة عن تداعيات محيطها.
وعليه، فإن أي كلام على “إقتصاد جيد جدا” في مثل هذه البيئة ووسط مثل هذه التحديات لا يعكس الا عمق الهوة بين المسؤول والواقع.
قد لا يكون نداء الاستغاثة الذي اطلقته الهيئات الاقتصادية بالامس معبراً بالقدر الكافي، باعتبار أن الشكل لم يعكس المضمون، ولكن هذا النداء ليس الا نزراً يسيراً من معاناة قوى الانتاج بأركانها الثلاثة: الدولة واصحاب العمل والعمال!