لعل الأزمات الناشئة في منطقتنا تتجاوز السياسة الى الاقتصاد الذي بات يحرك العالم وتسعى أنظمة ودول الى حفظ حصتها ومكاسبها من سوق النفط البديل ، اي الغاز، الذي يعتبر المادة النظيفة للطاقة الرئيسية في القرن الحادي والعشرين، خصوصا مع تراجع المخزون النفطي عالميا.
وتورد نشرة “أصفار” تحت عنوان “حروب الغاز في المنطقة” ان “قضية السيطرة على مناطق الاحتياط الغازي في العالم باتت اساسا للصراع الدولي ومرشدا للمواقف الاقليمية في هذه المرحلة والى عقود مقبلة”.
وإثر دراسات بينت وجود احتياط هائل من الغاز في حقول شرق البحر المتوسط، دخل لبنان، وقبرص واسرائيل أيضاً، الى سوق الغاز، وصارت الاخيرة لاعبا كبيرا في السوق بعدما سارعت الى البحث والاستخراج لتسبق لبنان تحديدا، وتعرقل عمله في هذا المجال عبر ايجاد مشكلة في ترسيم الحدود البحرية.
لكن لبنان الرسمي الذي تحرك لتحديد نطاقه الجغرافي ولم يفلح الى اليوم، بسبب الانحياز الدولي وتحديدا الاميركي الى اسرائيل، طالب مرارا ، وخصوصا عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، الامم المتحدة بالتدخل في هذا المجال، وقال اخيرا انه لمس تجاوباً من الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون خلال محادثاتهما الخميس الماضي أثناء زيارة الأخير لبيروت.
هذا النزاع على الحدود أدى الى تردد الشركات العالمية بالمشاركة في عمليات التنقيب. وقد يزيد هذا التردّد أسعار شركات التأمين التي ستزداد ميكانيكياً في حال حصول مواجهات بين إسرائيل ولبنان. لكن الأسوأ من اسرائيل، والاكثر ضرراً، فهو الفساد المستشري وانعدام دور المؤسسات في لبنان، والتنازع على المصالح، وهي عوامل أدت أيضا الى فقدان الثقة لدى الشركات العالمية، خصوصا في ظل رغبة لبنانية بتلزيم بلوكات دون اخرى من دون تبرير واضح. اما الشغور في الرئاسة الاولى، والفوضى السائدة والفضائح المتتالية، والنفايات التي تراكمت والتي شكلت صورتنا امام العالم لأشهر خلت، فكلها عوامل غير مشجعة لأي طرف للاستثمار في لبنان. وبدا في الاونة الاخيرة ان مسلسل تطفيش الشركات الاجنبية الكبرى هو هدف في ذاته لنيل وكالات منها لرجال اعمال لبنانيين يتخفون وراء تلك الشركات (وبعضها وهمي كما حصل في ملف النفايات) ويتقاسمون الجبنة، خصوصاً الغاز الذي يشكل ثروة في ذاته يمكن من خلاله تحقيق الثروات الاضافية.
وفي حال تمّ تخطّي التحديات السابقة، يبقى السؤال عن كيفية تصدير الغاز اللبناني إلى أوروبا تحديداً، فيما يكثر الحديث بين إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا عن مشروع أنبوب غاز بحري مشترك لتصدير الغاز المُستخرج من هذه الدول إلى أوروبا، ولم يدخل لبنان في صلبه.
فهل نبقى غارقين في النفايات السياسية والمنزلية ونضيّع على البلد واجياله المقبلة فرصة التخلص من الديون والعيش بكرامة؟