Site icon IMLebanon

أين “حزب الله” من المواجهات الجديدة في الميدان السوري وهل ثمة خشية من ارتدادات أمنية على الداخل اللبناني؟

قبل بضعة أيام فقد “حزب الله” القائد العسكري “أبو محمد الأقليم” الذي يعدُّ واحداً من أربعة كبار مخضرمين قد لا يتكررون بسهولة في المسيرة الجهادية الطويلة للحزب.

من البديهي أنها ليست المرة الأولى يسقط فيها للحزب كوادر وقادة في ذلك الميدان القصي الذي استحال حرباً كونية تشارك فيها عشرات الأقوام والدول ويطحن فيها آلاف البشر. ولكن الواضح بحسب قريبين من دوائر القرار في الحزب انه دفع أخيراً الى الميدان الملتهب ما يقارب الثلاثة آلاف مقاتل محترف من جسمه العسكري العالي التدريب انطلاقاً من أن المعركة الضروس التي تدور رحاها منذ أيام على وقع “عاصفة السوخوي” الروسية هي المعركة الحاسمة والمفصلية التي ستغير المشهد وتقلب المعادلات وموازين القوى في هذه الساحة التي انخرط الحزب فيها بشكل معلن وقوي منذ ما يقارب الاعوام الثلاثة ودفع فيها ما يقارب الألف شهيد.

ضراوة المواجهات ونوعية السلاح المتطور المستخدم وكمّ الحشد العسكري المدفوع به الى المواجهات والطريقة التي يخوض فيها الحلف الروسي – السوري المعركة، وحزب الله في عداده، هي التي دفعت زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني الى اطلاق رسالة صوتية نادرة يطلق فيها النفير العام ويعلن ان مرحلة الحسم والمعركة الفصل قد أزفت. وهي آية أخرى تدلل على المنحى الذي تتخذه المواجهات الحالية وشعور كل المنخرطين فيها بأن الأمور بلغت لحظة الحسم التي سيكون بعدها واقع مغاير ومشهد مختلف مما من شأنه ان يفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة بمعايير وحسابات مختلفة تماماً.

وفق معلومات ميدانية مستقاة من مصادر على صلة بالحزب، فان العناوين العريضة للمواجهات التي تخاض هي:

– توجيه ضربة كبرى الى “جيش الفتح” الذي هو عصارة جهد كبير خليجي – تركي دفعت من أجل اطلاقه وتجميع شتاته أموال ضخمة، وجلبت له النخب المقاتلة المتمرسة من كل المجموعات المسلحة الأخرى ليكون البديل المقبول والمتحرر من لوائح الارهاب الغربية، والنسخة الأخيرة لكل التجارب المتكررة بدليل ان كل المواجهات تدور الآن مع هذا التنظيم.

– ان الهجوم شمل دفعة واحدة 3 محاور عبر قوس جغرافي يبدأ من جبال ريف اللاذقية مروراً بأدلب وانتهاء بريف حماه الشرقي، وهو أمر متعمد يحصل للمرة الاولى بهدف تشتيت قوى المجموعات المسلحة خلافاً لتجارب سابقة، وهو ما يطلق عليه في العلم العسكري “المعركة المساحية” أي المعتمدة على المساحات الشاسعة.

– ان المعركة، استناداً الى معلومات، أعد لها لوجستياً وتكتيكياً واستراتيجياً منذ أكثر من خمسة أشهر تم التواصل خلالها مراراً بين دمشق وطهران وموسكو، وتشكل مجموعات الحزب فيها رأس الحربة في محاور قتالية أساسية وحساسة.

– ان العمود الفقري في الهجوم هو فيلق جديد اطلق عليه اسم الفيلق الرابع جُمع أساساً من فرقتين ومن مجموعات الدفاع الشعبي التي أظهرت كفاية عالية.

الهدف الأول للهجوم هو بلوغ نقاط ومناطق هي بيد المسلحين منذ 4 أعوام والسيطرة على طرق ومدن ونقاط بعينها محددة سلفاً، والهدف الأقصى قفل الحدود السورية مع تركيا مما يؤمن وقف تدفق السلاح والمسلحين من آخر الطرق والمسالك، لا سيما بعد انقطاع خط الامداد الآتي من الاردن بعد حل ما كان يعرف بغرفة مورك، وقبلها قطعت طرق الامداد من الحدود اللبنانية.

انها اذاً محاولة جادة لفرض واقع ميداني تفتح بعده الأبواب أمام جهود التسوية، حيث ينطلق الروسي فيها من اوراق قوة خلافاً للمرات السابقة اذ لم تكن يده هي العليا.

وفي رأي المصادر عينها ان الروسي سينطلق هذه المرة في أي عملية تفاوض سياسي مقبلة من المبادرة الايرانية القائمة على جوهر أساسي مفاده اجراء انتخابات عامة في كل سوريا في اشراف دولي يفتح بعدها الباب مباشرة لتأليف حكومة وحدة وطنية موسعة.

ثمة في الأوساط المتابعة سجال حول المعركة، فالبعض يصوّرها وكأنها معركة سحق واجتثاث للمجموعات المسلحة عبر ضربة كبرى توجه اليهم، والبعض الآخر يعتبرها معركة ترمي الى اعادة التوازن لمصلحة النظام وحلفائه. ولكن في كلا الحالين النتيجة واحدة: روسيا ومحورها يريدان الخروج من حال “الستاتيكو” الذي كان قائماً واستحال حرب استنزاف للنظام على كل الصعد، ومن المؤكد ان تراكمه سيطيح النظام نفسه.

ماذا عن “حزب الله”؟

مما لا ريب فيه أن الحزب هو شريك أساسي في المواجهات، وشريك في الحسابات والرهانات، واستطراداً شريك في الانتصار الذي يراه آتياً ولا شك.

لم يعد خافياً أن الحزب يتعامل مع المعركة الراهنة على أساس انها معركة الحسم والفصل، ومن منطلق ان دوره في المواجهات من القصير وصولاً الى الزبداني قد أعطى ثماره. وهو يعتبر أنه أدى المهمة الموكلة اليه وهي كسر “الأذرع اللبنانية” الداعمة للمجموعات المسلحة المعارضة. فعندما خاض معركة القصير نجح في قطع الطريق الرابط بين العمق السوري وقرى جبل أكروم، وعندما شارك في مواجهات قلعة الحصن والزارة وتلكلخ أمن قطع طريق الامداد بين وادي خالد ومنطقة حمص. وعندما خاض معركة القلمون أمن قطع طرق السيارات المفخخة المرسلة من بلدات قلمونية عبر عرسال الى الداخل اللبناني. أما معارك جرود القلمون وعرسال فكانت لها مهمتان: الأولى قطع الطريق بين عرسال والعمق السوري المفضي الى تخوم دمشق، والثانية عزل “جبهة النصرة” في بقعة في جرود عرسال وعزل “داعش” في بقعة أخرى لابعاد خطرهما عن منطقة القلمون السورية. وآخر المعارك في الزبداني كان هدفها اجتياح آخر قلاع المعارضة الحصينة على تخوم دمشق والتي تشكل خطراً على الطريق بين بيروت والعاصمة السورية.

والواضح أن الحزب لا يخفي أنه لن يكتفي بهذه الحدود وانه توغل الآن في العمق حتى صار رأس حربة في معارك ريف أدلب وحلب في طليعة الساعين لكسر معادلات وانهاض أخرى مكانها.

هل ثمة خشية من انعكاسات أمنية لهذه التطورات الميدانية في سوريا على الداخل

اللبناني؟

الحذر واجب والتحسبات مشروعة واجراءات الجيش اللبناني في أعلى جهوزيتها. وفي كل الحالات ثمة اطمئنان أكبر مصدره ان الحزب نجح سابقاً في قفل الطرق والمعابر بين الميدان السوري والداخل اللبناني.