تزدحم المواقف المزايدة على مصير الحكومة واستقالتها، فيما يعتصم رئيسها بالصمت، انطلاقا من مبدأ إلتزمه منذ توليه السلطة، يقوده الى الابتعاد عن أي سجال بين القوى السياسية أو أي كلام يطاله شخصياً من أي جانب، حفاظاً على حياده ونأيه من موقعه على رأس السلطة التنفيذية عن الدخول طرفاً، وهو ما يعتبره “أقوى اسلحته للصمود”، مكتفياً بالتفرج على مشهد لا يعكس بالنسبة اليه الا مستوى الإفلاس الذي بلغته البلاد، تحت وطأة التعطيل الذي يشل عملها ومقدراتها ومؤسساتها.
لم تكد تمر أيام على وصف رئيس “تكتل التغيير والإصلاح ” العماد ميشال عون الحكومة بالقاصرة حتى ارتفعت حدة التخاطب السياسي بين قوى ٨ و ١٤ آذار، مستعيدة شراسة الاصطفاف السياسي الذي كان همد فترة، ليعود اليوم بقوة، ومسرحه الظاهر الرئاسة والحكومة، فيما كواليسه الخلفية تتخذ من الوضع السوري ساحة للصراع والرهانات الداخلية.
هي أيام قليلة بعد سقوط التسوية العسكرية ، ترتفع بعدها حدة التهديدات من جانب “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بـ” ندم” سيصيب “مسقطي” التسوية، ولا يكتمل مشهد المواجهة الا بتهديد وزير الداخلية نهاد المشنوق بالاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار، يقابله كلام عالي النبرة للأمين العام لـ”حزب الله”، سجل مفارقة لافتة فيه عندما حيٓد الرئيس تمام سلام منوها بدوره، بما إعتبر رسالة واضحة من نصر الله تعكس حرصه على رئيس الحكومة في إدارة الأزمة وربط النزاع القائم حاليا مع “المستقبل”.
صحيح ان كلام المشنوق العالي النبرة استدعى ردا من نصر الله لا يقل حدة، ولكن ثمة من يرى ان وزير الداخلية تجاوز حدود الكلام المباح، ليعلن ما يتجاوز موقف فريقه السياسي، ليس في شأن الخطة الأمنية بل في شأن الحكومة والحوار، وينتظر ان يأتي تصويب البوصلة في هاتين المسألتين في البيان الأسبوعي لكتلة “المستقبل” غدا الثلثاء.
ليس بعيداً، يقف سلام مراقبا ومتابعاً لما يطال حكومته، وتحديد مصيرها ويبقى لرئيسها الكلمة الفصل، تماماً كما في تحديد موعد انعقادها او تحديد جدول أعمالها.
يتجنب سلام الرد على كل ما صدر في اليومين الماضيين، ويشغل نفسه بالتركيز على اقفال ملف النفايات الذي يرى فيه مدخلاً الى أمور كثيرة، ومحطة مفصلية في تحديد مستقبل الحكومة.
ويفسر لـ”النهار” كلامه هذا بالقول ان من الضروري والملح رفع النفايات من الشوارع وإنجاز المطامر حتى يرتاح الناس من هذه الكارثة البيئية التي تهدد سلامتهم.
لكن هذا الملف مؤشر بالنسبة الى سلام لمدى استعداد القوى السياسية للتعاون من اجل انجازه. وعلى هذا الأساس، لا يزال يتريث في الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء حتى اكتمال كل عناصر الملف من اجل ان تكون الجلسة منتجة ومثمرة، وتنجح في إحاطته بكل ما يتطلبه من إجراءات وتحمل مسؤوليات ليسلك مساره نحو التنفيذ.
وهو إذ يأمل ان يتوصل الى إنجاز الأمر هذا الأسبوع ليوجه الدعوة الى الوزراء، يتساءل هل المسموح المماطلة بعد في موضوع حساس ودقيق الى هذا الحد ولا يستدعي إجراءات تعجيزية، فيما الخلافات على أشدها وتعوق تحقيق أي تقدم ويستطرد: إذا فقدت الدولة هيبتها في التوافق على إجراءات في ملف كهذا، فكيف ستنفذه؟
يعي سلام ان ثمة كلاماً كثيراً عل عقد جلسة هذا الأسبوع، وهو لا يستبعد ذلك وان كان يربط الامر بجهوزية الملف لكنه يؤكد في الوقت عينه ان الامر ليس فشة خلق، فإذا لم نكن حاضرين، فإن إنعقاد الجلسة سيؤدي الى نتائج غير مريحة.
ويشرح ان الجلسة تعقد لإنجاز الملف والدفع الى الامام لحل أزمة النفايات إذا كان هناك رغبة جدية في ذلك، وإلا إذا كان التجاذب السياسي سيبقى متحكما في الوضع، فما المبرر لانعقاد الجلسة؟
هل يٌفهم من هذا الكلام تلويح بالاستقالة؟ يجيب سلام: “التلويح لم يعد نافعاً”، كاشفاً انه في جلسة الحوار الأخيرة، رفع الصوت عاليا محذرا من مغبة الاستمرار في سياسات التعطيل نظرا الى تداعياتها الخطيرة على البلاد والاقتصاد والمالية العامة. وذكر الجالسين حول الطاولة بأنه لم يكن مازحاً عندما لوح قبل شهرين بالاستقالة إذا إستمر تعطيل عمل الحكومة، وها هو يعيد تذكير المتحاورين بان الوضع لم يتغير بل زاد تفاقما وتعطيلاً، وهو مصمم على عدم الاستمرار إذا ظل الوضع على حاله.
لم تلاق صرخة سلام بأكثر من وجوم طبع وجوه المتحاورين، مما دفع رئيس المجلس نبيه بري الى ان يعاجله بدعوته الى عقد جلسة لبت ملف النفايات.
لكن سلام يرغب في الا تكون جلسة النفايات يتيمة، بل يعتزم فور عودة الرئيس بري التشاور معه من اجل عقد جلسة لمناقشة جدول اعمال يتضمن البنود الملحة.
أما اذا لم يسلك ملف النفايات طريقه في مجلس الوزراء الى التنفيذ، فإن سلام سيرمي قفازاته في وجه المعطلين ويعتذر من اللبنانيين تحت وطأة الوضع القائم.
يستغرب سلام كيف ان الكل متمسك بالحكومة وبعدم إنهيارها، ولكن شرط الا يكون من حسابه. ويسأل: “كيف يريدون الحكومة ولا يساعدون على تذليل العقبات التي تعترض سبيل تفعيلها؟
ويضيف: “في ظل الصراع السياسي والمزايدات العلنية، كيف يمكن البلاد ان تستقيم؟ وكيف نحميها ونقطع هذه المرحلة الصعبة ونحن عاجزون عن مواجهة تحدياتها في ابسط الملفات، من ملف النفايات الى أكثرها تعقيدا مثل الامن والاقتصاد؟”.
ويقول: “البلاد جامدة على كل المستويات والمؤشرات الاقتصادية مقلقة جداً والبلاد تنحو نحو الانهيار. فماذا يتوقعون؟ وهل تحتمل البلاد التصعيد والتخاطب العالي النبرة؟ في الجلسة الاخيرة للحوار، حذرت بكل وضوح ان الأمور في البلاد لا يمكن ان تنتظر الحوار. هناك أمور تنفيذية يجب ان تتحقق. لا أطالب بشيء لنفسي او لمركزي وإنما هي أمور لمصلحة البلاد. فإما يكون هناك وعي وإدراك لحجم المخاطر وإما فنحن ماضون نحو الخراب لا محالة”.