أحدث الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في زيارة مبتدعة في فرادتها في ظل غياب نظير لبناني له سابقة مثيرة للانطباعات المتناقضة لبنانيا أصابت عصبا داخليا ملتهبا فرغ صبره من الانتظار . سيكون خطأ كبيرا النظر الى الزيارة من زاوية أحكام مسبقة لم تتأخر اساسا باعتبارها لا تقدم ولا تؤخر شيئا في مجريات الأزمة السياسية والرئاسية ولو كان في ذلك الكثير من الصحة . الفرنسيون أنفسهم أصلا لم يتركوا للاجتهادات أن تذهب بعيدا وخفضوا سقف التقديرات للزيارة وحسنا فعلوا . وعلى رغم هذا ” التواضع ” في التقديرات لا ترانا نجافي حقيقة بعض الجوانب المثيرة للاهتمام إن توقفنا أمام مجموعة ظواهر لبنانية نفضت الزيارة غبارًا كثيفا عنها . منها ان فرنسا لا تزال تحرك وترا ” نائما ” ذا خصوصية لدى اللبنانيين تجاه إحدى أقدم الدول الوثيقة الصلة بهم يقرب من حنين الى زمن العلاقات العريقة . ولكن هولاند القافز فوق الفراغ في زيارته بيروت تسبب في المقابل بحسرة مسيحية حيال غياب الرئيس الماروني لم تتأخر في التعبير عن نفسها بوسائل مختلفة خصوصا لدى رؤية السجاد الاحمر يتمدد في ساحة النجمة بدلا من باحة قصر بعبدا المهجور . بذلك لا ندري واقعا في أي وجهة ذهبت علامات اللوم والحسرة بل والخشية من هواجس تحولات متى أعتمدت مراسم الحفاوة بالرئيس الفرنسي معيارًا للحكم على الآتي من الازمان .
ومع ذلك لم تقف هذه “اللوعة ” على الرئاسة المغيبة عقبة امام اندفاعات داخلية في شأن تحريك فرنسي للأزمة المستعصية عكست في العمق ما يتجاوز التنميق اللفظي في استبعاد أي أثر للزيارة . عاينا بأم العين انتفاء أي ممانعة حقيقية لدور فرنسي مستمر في دفع الجهود الديبلوماسية نحو كسر الأزمة من دون أي مكابرة . وإلا فكيف نفسر التهكم لدى بعضهم من ان الزيارة لن تحمل المن والسلوى في المأزق الرئاسي وكأن اصحاب هذا المنطق لا يرفضون في الواقع اي تدخل فرنسي إن كان يوصل الى تسوية انتخابية رئاسية ؟ بل أي تفسير لمروحة اللقاءات الواسعة للرئيس هولاند مع زعماء وقادة سياسيين ودينيين في قصر الصنوبر بدت أقرب الى مشاورات “رسمية ” علنية حول المأزق ولا من يمانع حتى من الممانعين الذين غابوا عن الحدث ؟ بدت هذه اللقاءات لوهلة كأنها جوهر ما أتى من أجله هولاند شكلا ومضمونًا أكثر بكثير من تشكيك المشككين في أن للزيارة هدفا واحدا تمثل في مسألة اللاجئين السوريين ونقطة على السطر . لن نستعجل الأحكام على زيارة بالكاد انتهت ولكننا لا نرى موجبا لإخفاء ما تجاوز حفاوة شكلية وسياسية أقله في الجوانب اللبنانية التي كانت كأنها لا تنتظر من فرنسا الا المزيد من التدخل مهما كابر بعضهم .