النقاش في اتفاق لوزان النووي ليس مقتصراً على المعايير، ولا على التفاصيل المتروكة للاتفاق النهائي، ولا على البلدان التي شاركت في التفاوض الصعب. لكن أبسط ما يكشفه النقاش هو أن أطراف الاتفاق مرتاحون ومحشورون في آن، وكل المعترضين الخائفين منه محشورون أيضاً. ولا أحد يبدو مستعداً تماماً لما تفرضه حسابات ما بعد الاتفاق.
ذلك أن السياسات في عواصم الشرق الأوسط وعواصم العالم المعنية به مبنية على ثوابت من بينها ٣٦ سنة من العداء الأميركي – الايراني بشكل خاص والغربي – الايراني بشكل عام. ولا شيء يوحي أن من السهل على هذه العواصم التكيف مع مرحلة التحولات السياسية التي يرسم الاتفاق النووي بدايتها بقوة المصالح والأشياء قبل التفاهمات الاستراتيجية المفترضة. ولا أحد يعرف الى أي حد يمكن التأكد من كون التحولات جذرية أو من كون الأحاديث عنها مبالغات وأخطاء في الحسابات وقراءة المواقف.
والواقع ناطق. فالرئيس باراك أوباما، الذي وصف الاتفاق بأنه صفقة جيدة وتحدث عن فرصة عمر أمسك بها، مطلوب منه تقديم ضمانات ورسم سياسات لارضاء اسرائيل وحلفاء أميركا العرب والكونغرس الجمهوري وكل الذين اعتبروا أن الاتفاق صفقة سيئة وخطيرة. والرئيس حسن روحاني الذي يبالغ في توصيف ما أحرزته ايران من مكاسب، ويراهن على رفع العقوبات لانقاذ الاقتصاد، ينتظر كلمة من المرشد الأعلى علي خامنئي، ويسمع مستشار خامنئي رئيس تحرير صحيفة كيهان حسين شريعتمداري يقول إننا أعطينا حصاناً جاهزاً للركوب واستلمنا لجاماً.
وليس من السهل على أوباما أن يواجه التحدي الذي تحدث عنه وليم بيرنز نائب وزير الخارجية سابقاً والديبلوماسي الذي قاد المفاوضات السرية مع ايران في مسقط: وضع الاتفاق النووي ضمن استراتيجية شرق أوسطية تفرض على طهران الانضباط في سوريا والعراق واليمن. فلا القيادة الايرانية، كما يقول بيرنز في مقال نشرته النيويورك تايمس تحت عنوان صفقة جيدة، يمكن أن تتحول في ليلة من قوة اقليمية ثورية تهز الاستقرار الى قوة طبيعية في دورها. ولا أوباما الذي ليس في سجله سوى فشل سياساته الخارجية، يريد أن يهز الاتفاق الذي يعتبره انجازه المهم وميراثه الوحيد. فضلاً عن أن سابقة أوباما في الاكتفاء بالملف الكيماوي في سياسته السورية يمكن أن تتكرر عبر الاكتفاء بالاتفاق النووي في سياسته الايرانية.
والسؤال هو: الى أي حد تطبق طهران قول روحاني إن الصفقة هي الخطوة الأولى نحو العمل البناء مع العالم، بعد تأكيده أنه ليس صحيحاً أنه لن يكون لنا شيء نفعله مع العالم عندما ننتهي من القضية النووية.