تثير قضية التمديد للقيادات الامنية والعسكرية مسألة رديفة لا تقل اهمية في جانبها الخلفي من هذا الملف امتدادا الى ملف الفيتوات المتبادلة، لا سيما منها المارونية في أزمة الفراغ الرئاسي. وما كان لهذه الفيتوات ان تخرج عن اطار كلاسيكي تاريخي في معارك التنافس على الرئاسة لولا التبدل الهائل الذي طرأ على الواقع الداخلي والاقليمي منذ بدء الأزمة الحالية والذي ينذر اكثر من اي تجربة سابقة بفداحة الاثمان التي قد تنتهي اليها.
ليس المقصود هنا حصرا موضوع الحملة العونية على التمديد لقائد الجيش الحالي والطموح الى تعيين قائد آخر مكانه. اذ ان هذه الحملة قد تكتسب مشروعية مبدئية لو لم يتداخل فيها عامل الشخصانية ولو حصرت بعامل مبدئي يتصل بالكف عن التمديد في كل المؤسسات الدستورية والتشريعية والأمنية والعسكرية. في ذلك تتخذ الحملة العونية هنا نقطة صدقية لأن الفريق العوني ناهض اساسا التمديد لمجلس النواب والقيادات الامنية والعسكرية. لكن التناقض الآخر الذي يسقط فيه الجانب العوني يتمثل في سد المنفذ الوحيد للحؤول دون المضي في التمديدات كمظهر ناشز من مظاهر تعليق التداول على المواقع الكبيرة في الدولة عبر تعطيل الانتخابات الرئاسية نفسها، فيبدو غارقا في نتائج ما زرعته يداه. كما ان الوجه الآخر لهذا التناقض يظهر عبر واقع يصعب معه ضمان نجاح الحملة العونية في ملف التمديد من دون تسديد الثمن المرتفع في الملف الرئاسي لأنه من غير المحتمل ان تتمكن هذه الحملة من حصاد الجنة والآخرة معا.
ما ينطبق على هذه الحملة ينسحب بمثله على فيتوات تطرح من قيادات مارونية على مرشحين رئاسيين “توافقيين” في وقت اطاحت معه آثار ازمة الفراغ الرئاسي كل امكانات الرهان على توافق ماروني ومسيحي عريض على مرشح من الزعماء، مثلما ستطيح حتما قدرة اي فريق منهم على تحكيم الفيتو الذي يطرحه على مرشح توافقي.
لم تبدأ بعد على ما يبدو الحسابات الجادة لدى القيادات المسيحية حيال الموجات المقبلة من الخسائر الداخلية الناجمة عن فداحة فراغ يطل على سنته الاولى في ٢٥ ايار المقبل. ويمكن الاستدلال على ذلك من الترف المتواصل والمتمهل في “التمتع” بتوزيع الفيتوات يسارا ويمينا في الرئاسة والسياسة والحكومة والأمن والعسكر وفي كل الاتجاهات، وكذلك في تكبير احجار من هنا وتصغيرها من هناك مما يوهم اللبنانيين بأن مجمل الحل والربط هو في اطار هذه المعارك الداخلية. اما المحاذير التي لا يظهر ان “الحكماء” المتمتعين بترف الفيتوات بدأوا باحتسابها فباتت اقرب بكثير مما يعتقدون بعدما تمادى زمن الفراغ مما ينذر بأنه سيفرض استحقاقاته على طريقة “تعميم الخسائر” على “الأقوياء” وليس العكس.