IMLebanon

أيّهما أفضل للبنان: كلينتون أم ترامب؟

يُراهن كثيرون على أنّ الإدارة الأميركية الجديدة، أيّاً كان الرئيس المنتظر، ستكون أفضلَ للبنان من إدارة الرئيس باراك أوباما. فهل هذا الرهان في محلّه، خصوصاً أنّ الانتخابات الرئاسية الأميركية تأتي مباشرةً بعد الانفراج النسبي والمفاجئ في مسار الأزمة اللبنانية؟

يقول البعض إنّ لبنان «زَمط» برئيس للجمهورية قبل أيام قليلة من انتخاب رئيس أميركي جديد، وأنّ المبادرة التي أدّت إلى إنتاج التسوية الحالية في لبنان لم يكن مصدرها خارجياً، كما جرت العادة، ولم تكن الولايات المتحدة من صانعيها، لكنّها وافقت عليها.

فقد بدت الخارجية الأميركية متحفّظة جداً في الأيام الأولى، وقلِقة من عواقب وصول رئيس للجمهورية حليف لـ»حزب الله» إلى بعبدا، في ذروة الحملة التي يخوضها الأميركيون لتجفيف مصادر تمويل «الحزب».

لكنّ الأميركيين سرعان ما تداركوا الأمر، ووافَقوا على مقولة أنّ الرئيس ميشال عون، الذي يَعرفونه منذ مدّة طويلة جداً، لن ينتهج سياسة تقود لبنان إلى المحور الإيراني، خصوصاً أنّ العهد سيكون «ممسوكاً» بحكومة «متوازنة» يرأسُها الرئيس سعد الحريري. ولذلك، عبّر الأميركيون لاحقاً عن دعمِهم الواضح للعهد، مشفوعاً بالترقّب للمسار الذي سينتهجه.

ولكن، إذا كان صحيحاً أنّ هذه التسوية المصغّرة التي جاءت بعون والحريري إلى الحكم أساسُها مبادرة محلّية (عون- جعجع- الحريري)، فالصحيح أيضاً أنّ عوامل إقليمية ودولية ساعدت على توفير التغطيات لها، من جانب إيران وسوريا والمملكة العربية السعودية، وأبرزها استحقاق تغيير الإدارة الأميركية.

فالسعوديون تتملّكهم الهواجس من تداعيات وصول دونالد ترامب. وأمّا الإيرانيون فيطرحون الأسئلة عمّا بعد أوباما، سواء كانت هيلاري كلينتون أو ترامب.

في أيّ حال، يترقّب لبنان مَن سيكون في البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني المقبل. فإذا فازت كلينتون، سيستمرّ نهج أوباما على حاله في الشرق الأوسط ولبنان. وكلينتون قادت جزءاً من هذا النهج من خلال عملها وزيرةً للخارجية. ولذلك، ليس هناك كثيرٌ من المفاجآت المنتظرة في لبنان والشرق الأوسط خلال عهدها.

وأمّا ترامب، بصفته حالةً مختلفة، فهو يُدغدغ طموحات شريحة من اللبنانيين الراغبين في تغيير النهج الأميركي الحالي، وتحديداً في استعادة النهج الجمهوري الذي قاده الرئيس جورج بوش الإبن بين 2001 و2009، والذي كانت أبرز محطاته انتفاضة 2005 التي أدّت إلى إخراج القوات السورية من لبنان.

طبعاً، ظروف المرحلة لم تعُد هي إيّاها. فتلك الانتفاضة انتهت مفاعيلها عملياً. إلّا أنّ الطاقم اللبناني المحيط بحملة ترامب، وفي مقدّمهم مستشارُه للسياسة الخارجية الدكتور وليد فارس، يوحي بأنّ هناك كثيراً ممّا يمكن القيام به للبنان، إذا أتيحَ لترامب أن يفوز بالرئاسة، إذ إنّ إدارته ستقوم بمراجعة شاملة للملفات الشرق أوسطية.

ويطلق هؤلاء وعوداً بأنّ تلتزم إدارة ترامب القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، وفي مقدّمها القرار 1559 بما طُبِّق منه وما لم يطبَّق، كخروج القوى الغريبة المسلّحة من لبنان ونزعِ سلاح الميليشيات.

لكنّهم يسألون: ماذا يمكن أن يفعل الأميركيون للبنان، خصوصاً بعد السيطرة الإيرانية على السلطة، والتي حصلت أخيراً من خلال التسوية. فقد استعجَل الإيرانيون انتخابَ أحد الحليفَين، عون أو فرنجية، استباقاً لاحتمال وصول ترامب إلى الحكم.

وهذا الموقف يعبّر عنه المهندس توم حرب، الذي يقود اليوم التحالفَ الأميركي- الشرق أوسطي لدعم ترامب. فالقرار 1559 وُلِد بدعم بوش، لكنّ اللبنانيين لم يُحسنوا استثمارَ الظروف التي أتيحَت لهم لا في 2005، ولا في حرب تمّوز 2006، حين عملَ بوش لوضعِ القرار 1701 تحت الفصل السابع، فيما تمسّكَت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بورقة «النقاط السبع».

وكذلك، لم يحسِن لبنان استثمار الدعم الأميركي في 2008، مع دخول «حزب الله» إلى بيروت، حين اقترحَت واشنطن أن يستفيد الجيش اللبناني من القرار 1701، فيتمّ توسيع صلاحية القوات الدولية لتشمل مناطق حسّاسة، ولا سيّما الدعم البحري. لكنّ لبنان رفضَ ذلك.

فالمطلوب، وفق حرب، هو أن نحدّد كلبنانيين ما نريد من الولايات المتحدة أن تساعدنا به. فإذا وصَل ترامب إلى البيت الأبيض، وأرادت إدارته تنفيذَ مبادرة تجاه لبنان، فمع مَن في لبنان يجب أن نعمل لتحقيق هذا الهدف؟

وترامب المعروف بانتقاده الاتّفاقَ حول الملف النووي، والذي يأخذ على الإدارة الديموقراطية ترتيبَ هذا الاتفاق، هو أوّل مرشّح للرئاسة الأميركية يتحدّث عن خطر إيران في لبنان، وهو يرى أنّ الاتفاق حول النووي يخلق تسابقاً نووياً في الشرق الأوسط قوامُه دوَل ترعى الإرهاب وتتسبّب في خلق الفِتن.

وفيما يتوجّه ترامب إلى كلينتون بتهمة تغطية «داعش»، فإنّه يعترض على طريقة المواجهة الدائرة مع هذا التنظيم، ويرى أنّ محاربته تكون بدخول جيوش عربية برّاً إلى سوريا والعراق، بدعم القوى الدولية، لضربِها، على أن يتحمَّلَ العرب أكلافَ هذا التدخّل. والمهم هو الاتّجاه إلى إقامة أنظمة حُكمٍ مستقرّة في الشرق الأوسط.

ويرى حرب أنّ الفيدراليات التي تقوم في الولايات المتحدة وفرنسا والبرازيل وسويسرا وسواها، والتي ترتكِز إلى الوحدات الإدارية المحلية كالبلديات، كفيلةٌ بمنحِ المواطنين القدرة الإدارية والسياسية على انتخاب ممثّليهم، بمعزل عن السلطة المركزية.وهذا النظام ناجح جداً في الغرب.

في المقابل، يقول داعمو كلينتون إنّ سياسة ترامب لا تجد حلولاً للمعضلات الكبرى في الشرق الأوسط، التي تنعكس مباشرةً على لبنان. فهو بسياسته يمكن أن يزيد منسوبَ التطرّف في المنطقة ويحرّض الإرهاب، كما سيطلِق يد روسيا. وسيكون لبنان متضرّراً من هذا الاضطراب، باستقراره الأمني والسياسي والاجتماعي، ولا سيّما لجهة تدفّقِ النازحين إليه.

وفي اعتقاد هؤلاء أن انتهاج سياسة واقعية تتعاطى مع القوى الإقليمية التي تتحكّم باللعبة في الشرق الأوسط يبقى أفضلَ لمستقبل بلدان المنطقة، ومنها لبنان.

وعلى مستوى آخر، تنقسم الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة بين من يعتقد بأنّ فوز كلينتون هو الأنسب للجالية، ومن يرى أنّ الأفضل هو ترامب. فالداعمون للمرشّحة الديموقراطية يعبّرون عن خشيتهم من نزعة ترامب «العنصرية»، فـ«هو غاضبٌ من الأميركيين من أصل مكسيكي، حاملي الجنسية منذ أكثر من قرن، فكيف سيتعاطى مع اللبنانيين الوافدين من الشرق الأوسط منذ أقلّ من نصف قرن؟ ويردّ داعمو ترامب بالقول: لو كان الرَجل عنصرياً يَستهدف العرب والجالية اللبنانية، هل كان يختار لبنانيّاً مستشاراً له؟

في الخلاصة، يقول بعض الخبراء، سينتظر الشرق الأوسط، ومعه لبنان، أن يأتي الفرَج من جهة واشنطن، لكنّ ذلك لن يكون مضموناً، سواء فازت كلينتون أو ترامب. فالتعقيدات التي يَغرق فيها الشرق الأوسط، والتداخلات المستجدّة للقوى الدولية والإقليمية، الباحثة عن دور، كروسيا والصين وإيران وتركيا، تَجعل المسائل أكثر تعقيداً.

كما أنّ مسائل الإرهاب لا يمكن فصلُها عن مسار النزاع بين القوى الإقليمية والدولية. ومن هنا الاتهامات التي رُميت خلال المعركة لكلينتون وبعض الجهات الإقليمية بتغطية «داعش».

وعلى الأرجح، سيكون مفيداً للبنانيين أن لا ينتظروا تبدّلَ العهود في واشنطن أو سواها للمراهنة على حلول. وإذا كانوا فعلاً قد صَنعوا التسوية الأخيرة بأيديهم، فالأفضل أن يستكملوها ويحوّلوها طبخة حلٍّ متكامل ودائم وعادل، لأنّ أحداً في العالم قد لا يكون لديه الوقت الكافي للتمحيص في نقطةٍ صغيرة تحت «الميكروسكوب» على رقعة الشرق الأوسط، هي لبنان. وإلّا فإنّ هذا اللبنان سيدفع ثمنَ «عدم الاهتمام» الأميركي في موازاة تآمر آخرين.

ثابتان أساسيان للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، أيّاً كان العهد الآتي: النفط الذي سيبقى «تحت السيطرة»، وإسرائيل التي ستبقى هي «صاحبة السيطرة». ألم يَسمع الجميع كيف يتنافر كلينتون وترامب حول مسائل كثيرة، ويتباريان في مغازلة إسرائيل؟