مثل اي كاتب معنيّ بالشأن العام، وبما يدور داخل دولته وخارجها، تخضع مقالاتي للنقد او ابداء الملاحظات او الاعجاب او الرفض، وهذا امر جيد وصحيّ ومقبول ويبنى عليه، واحاول كما غيري، شرح مقاصدي وخلفياتها واسبابها، لذلك، ومن هذا المنطلق، سأحاول في مقال اليوم، ان اشرح لصديق وزميل عزيز يقيم حالياً خارج لبنان، لماذا دعوت في مقال يوم الاثنين الى حوار بين اللبنانيين من دون شروط للتفاهم على صيغة تنقذ لبنان، معتبراً انها دعوة مقنّعة الى «مؤتمر تأسيسي» بما يلبي رغبة حزب الله في هذا الخصوص، وارجو ان يكون مضمون مقالي اليوم، رداً وافياً على ما قاله زميلي وصديقي وربما غيره ايضاً.
* * *
نيّات الدول الكبرى، وخصوصاً روسيا والولايات المتحدة الاميركية، تنكشف يوماً بعد يوم على وقع الاحداث الدامية في سوريا والعراق واليمن، وتركيا ايضاً، لتفيد بان المنطقة مقبلة على متغيّرات زلزالية جغرافية ستضيع معها الحدود المعروفة وتستبدل بحدود جديدة ودويلات جديدة، وشعوب مختلفة، وما تصريح مندوب روسيا الى مجلس الامن منذ ثلاثة ايام، وتصريح نائب وزير الخارجية الروسية امس، اللذان يعلنان صراحة ان النظام الفدرالي قد يكون الحلّ الامثل لوقف الحرب في سوريا، سوى بداية تنفيذ المخطط المتفّق عليه دولياً لمنطقة الشرق الاوسط، بما فيها لبنان ودول الخليج، وبما اننا معنيّون بالدرجة الاولى بما يضمره الغرب لوطننا، لا بدّ لجميع العناصر والمواقف التي ستوصلنا الى هذه الغاية، والا تكال عليها، لنعرف اذا كان لا يزال بالامكان تجنب تجرّع الكأس المرّة، اما ما كتب قد كتب، وسقط اللبنانيون في امتحان انقاذ وطنهم ودولتهم طول خمس سنوات هي عمر الحرب في سوريا التي لم نتعلّم منها شيئاً؟
ينقل عن صحافي روسي ينشط بين دول الخليج العربي، انه كان ممكناً تحييد لبنان عن العاصفة القادمة، لو ان ايران تعاملت بايجابية ومرونة مع ما كان ينقله مبعوثون غربيون الى طهران بوجوب تخفيف قبضتها عن لبنان ومساعدته على تحقيق سيادته وتقوية شرعية الدولة بعدم القبول بتعطيل مؤسساته الاساسية ودورته الاقتصادية، وباعطاء الضوء الاخضر للفريق الشيعي المؤيد لحزب الله بوقف بناء حالة خاصة به، والاندماج مجتمعياً مع المكونات الطائفية والمذهبية الاخرى، ولكن طهران، يقول الصحافي الروسي، لم تستجب لاي من هذه المطالب، تحت حجة انها لا تتدخل بالشؤون الداخلية لاي دولة، من هذا المنطلق، يعتقد الصحافي الروسي كما نقل عنه، ان السعودية ربما تكون قد وصلت الى اقتناع بان الامور في لبنان لم تعد قابلة للمعالجة، وان لا امل بعودة السيادة والاستقلال الى الدولة اللبنانية في ظل قوة تعطيل غير ممكن وقفها او ردعها، وبالتالي انتقلت السعودية من مرحلة امتصاص الحملات عليها الى مرحلة السقف العالي، فاوقفت هبة تسليح الجيش والقوى الامنية اللبنانية لانها لم تعد واثقة بان السلطات اللبنانية السياسية قادرة على ضبط مؤسساتها العسكرية والديبلوماسية والقضائية.
هذه المعطيات، وهذه المعلومات، قد تكون كلها صحيحة وقد لا تكون، ولكن مطابقتها على ارض الواقع في سوريا، وما يرسم من حدود للاكراد والعلويين والدروز والسنة، تحرّضك على الدعوة ليس الى الحوار فحسب، بل الى مؤتمر تأسيسي واتصالات واجتماعات وبذل كل جهد لانقاذ لبنان من مجهول لا نعرف ماذا يخبئ لنا، والجهة القادرة على تغيير الخطط او تفشيلها، اذا كانت حقاً ترفضها، هي بكل صراحة وصدق، ايران وحزب الله.