IMLebanon

مَن مِنكم «أمّ الصبي»؟

إنتهى الكباش النووي الدولي – الإيراني بلا غالب أو مغلوب. قُطِع الطريق على إيران لإنتاج قنبلة نووية، وفي المقابل، رُفِعت العقوبات الدولية التي أنهكت الاقتصاد الإيراني والإيرانيين سنوات طويلة، وستتمكّن إيران في وقتٍ قريب من استعادة عشرات المليارات من الأرصدة المجمَّدة في المصارف الغربية والمقدّرة بنحو 150 مليار دولار.

هل سيُبدّل الاتّفاق النووي الإيراني وَجه المنطقة، وينعكس ذلك على لبنان؟ لا شكّ في أنّ الاتفاق يشكّل مدخلاً حقيقياً لعلاقات جديدة بين إيران والولايات المتحدة، ومن الطبيعي أن يطاول التفاهم ملفات ذات اهتمام ومصالح مشتركة، ومِن ضمنِها الملف اللبناني.

وفي هذا السياق، غرَّد العماد ميشال عون عبر «تويتر» قائلاً: «الاتّفاق النووي خطوة واعدة نحو السلام في الشرق الأوسط». وقال في مكان آخر «إنّ التفاهم النووي يمكن أن يؤثّر على الاستحقاق الرئاسي». واعتبَر الرئيس نبيه برّي أن «ليس ما بعد الاتّفاق كما قبله. فلبنان واليَمن هما أوَل مَن يجب أن يستفيد من هذا الانفراج الدولي».

إذاً، يتوقّع معظم السياسيين اللبنانيين أن تنسحبَ مفاعيل الاتفاق الإيراني – الأميركي إيجاباً على لبنان، وأن يكون حلّ الأزمة اللبنانية بنداً أوّلاً في جدول أعمال المرحلة المقبلة، معتبرين أنّ الملف اللبناني ليس صعباً مثل بقيّة الملفات، وخصوصاً أنّ الدوَل الكبرى تضع فـي سلّم أولوياتها استقرارَ لبنان وأمنَه.

هل هذا صحيح؟ وما هو دور الزعماء اللبنانيين لملاقاة المجتمع الدولي؟ هل يبادرون، أم ينتظرون الحلَّ الذي يفرضه الخارج؟ هل يتوقّعون أن تأتي الحقوق والمناصفة مع الحلول من الخارج؟ أيّ دولة تهمّها حقوقنا وهواجسُنا؟ وأيّ دولة لا يهنَأ لها عيش إلّا بتحقيق الشراكة الحقيقية ووصول الرئيس القوي الذي يَطمح إليه المسيحيّون؟ إنّه وهمٌ وسَراب ومزيد من التقهقر والخراب. ماذا ستفيدنا الحقوق والمكاسب إذا خسرنا الوطن؟

تتكلّمون عن الحقوق والشراكة والصلاحيات، وهذا حقّ، ولكن نسيتم حقوقَ الوطن ومصيرَ شعبه وأرضه ومؤسّساته. إنّ التعطيل الشامل المتنقّل بين المؤسسات الدستورية من بعبدا مروراً بساحة النجمة وصولاً إلى السراي لا يخدم قضايا المسيحيين وحقوقَهم، ولا يُعزّز الشراكة والميثاقية التي اتّخَذهـما البعض قميصَ عثمان.

هذا التعطيل، يَشلّ البلد ويهدم اقتصادَه ونموَّه، ولا يخدم إلّا أعداءَ لبنان، وفي مقدّمِهم خاطفو العسكريين من «دواعش» و»نصرة» وكلّ حاملي السلاح خارج الشرعية. هؤلاء جميعاً يَحملون عقائدَ مِن خارج الحدود، ومرتبطون بأحلاف إقليمية وإتنية، ويأتمرون بخلفائهم وأوليائهم وفقهائهم، ويترقّبون الفرصة السانحة للانقضاض على الوطن وتغيير وجهِه ونظامه وميثاقه.

وأنتم أيها الزعماء، بماذا تتلهّون وعن أيّ مكاسب وحقوق تفتّشون؟ إذا كنتم عاجزين عن تأمين مطمر لنفاياتكم، ومجارير لأوساخكم، ومياه نظيفة لأولادكم، وطرقات صالحة لسياراتكم، وكهرباء لمنازلكم، وأمن وطمأنينة لشعبكم.

مِن المعيب أن تلهَثوا وراء كرسيّ أفرغَته أحقادُكم من رمزيتِه، ووراءَ حقوق أضعتموها بأنانياتكم وانقساماتكم. أنتم الطبقة السياسية الأسوأ والأتعس التي أفرزَتها هذه الأمّة. أنتم الأكثر ديكتاتورية وأنانية وحبّاً للذات. مَن قال إنّكم ما زلتم تمثّلوننا وتتكلمون باسمنا؟

مَن قال إنّكم تستحقّون الرئاسة والقيادة والزعامة؟ لقد أخذتم الوطن إلى الفقر والشَلل والإفلاس. أيّ دولة تعيش تحت راية الانقسام والتبَعية؟ وأيّ فيديرالية تعيش فـي ظلّ التخاصم والحِقد والفقر؟ نحن قومٌ سُذَّج، ننجرف وراء عصبياتنا وأحلامنا الموتورة، تدَغدغنا الشعارات البرّاقة وتأخذنا إلى اللامكان حيث الفراغ والعدم، ومع ذلك، ننساق كالخراف وراء شيخ القبيلة إنْ كان على حق أو باطل. هكذا كنّا منذ الجاهلية ولم نزَل.

مَن منكم أيها الزعماء لديه ذرّةٌ من الضمير وروح المسؤولية الوطنية؟ مَن منكم لديه الجرأة ليعتذرَ ويطلب الصفحَ من هذا الشعب المسكين وهذا الوطن المنكوب؟ مَن منكم لديه الجرأة ليقول «آخ» قبل الآخرين؟ مَن منكم سيَصرخ «آخ» بفخرٍ واعتزاز قبل خراب البَلد؟ مَن منكم سيتقبّل فكرةَ لا غالب ولا مغلوب من دون عنجهية ولا تعنُّت كما فعلت إيران والمجتمع الدولي؟ مَن مِنكم «أمّ الصبي»؟