Site icon IMLebanon

أيٌّ منْ وجهَيْهِ هو تاريخنا الآتي؟

مجموع الأموال النقدية والأسهم والحصص المجمّدة التي من المفترَض أن تكون إيران قد حصلت عليها من واشنطن حتى تموز المقبل، أي قبل موعد توقيع الاتفاق النهائي، تبلغ 11,9 مليار دولار، منها نقداً 4,9 مليارات دولار.

احتلّت مسألة كيفية توظيف إيران للإمكانيات المالية الضخمة التي ستحصل عليها إذا تكرّس اتفاقُها النووي مع الولايات المتحدة الأميركية مكاناً ومكانةً بارزيْن في لقاء كمب ديفيد الأسبوع المنصرم بين الرئيس باراك أوباما وقادة مجلس التعاون الخليجي. لقد تناول الرئيس الأميركي هذا الموضوع بوضوح مرّتين خلال لقائه مع الصحافيين بعد “القمة” التي حضرها بعض أبرز وأهم رجال الجيل الشاب الحاكم في دول الخليج ولا سيما في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات والبحرين.

كان جواب باراك أوباما على هذه المسألة المشروعة الطرح هو التذكير بالاحتياجات الضخمة للاقتصاد الإيراني التي ستأخذها وجهة الإنفاق الإيراني في المرحلة الجديدة ممّا يعني محدودية القدرة الإيرانية على توظيف هذه الإمكانات المالية الجديدة في اتجاه المزيد من توسيع نفوذها في المحيط، وهو توسُّعٌ، للتذكير، ينعكس في ويأخذ شكلَ اضطرابات داخلية حادة في عدد من الدول.

أياً يكنْ جواب زعيم البيت الأبيض الحالي مُقْنِعاً وبالتالي مطَمْئِناً لقادة مجلس التعاون، وهو أمر ستظهره المرحلة الآتية من ضمن أمور استراتيجية أخرى على مستوى الصراع الإقليمي، فإن النقطة المثيرة التي لا ينتبه إليها البعض من المراقبين هي أن ضخَّ الأموال بدأ عمليا من الخزانة الأميركية إلى الخزانة الإيرانية، ولو بشكلٍ محدود قياسا إلى الآتي إذا اكتمل الانجاز العلني للاتفاق في نهاية حزيران المقبل.

فمنذ شهر تشرين الثاني الماضي وبموجب الاتفاق الأولي، السابق لاتفاق – الإطار، الذي حصل في جنيف، تحصل طهران على مبلغ 490 مليون دولار شهريا من الأموال النقدية الإيرانية المجمّدة في الولايات المتحدة منذ الثمانينات. ومن المفترض أن يبلغ عدد هذه الدفعات عشر دفعات بين تشرين الثاني 2014 وتموز 2015. هذا في ما يتعلّق بالمبالغ النقدية. لكنْ هناك جزء آخر من الأسهم والملكيات غير النقدية المجمّدة بدأ تحويلها أيضاً بشكل شبه دوري بحيث أن مجموع الأموال النقدية والأسهم والحصص التي من المفترَض أن تكون إيران قد حصلت عليها حتى تموز المقبل، أي موعد التوقيع النهائي على الاتفاق،  تبلغ 11,9 مليار دولار. وهذا ما دفع السيناتور عن إيللينوي في مجلس الشيوخ الأميركي مارك كيرك للتعليق ساخرا، وربما جاداً، في ذروة الاعتراض الجمهوري على اتفاق الإطار أن مبلغ 4,9 مليارات دولار من الأموال النقدية التي بدأت إعادتُها لطهران (على 10 دفعات تكتمل في تموز كما أشرنا) “تكفي وحدها لتمويل “حزب الله” خمسين عاما”!

إذن نحن أمام “تمويل” بادئ ولو أنه سيكون ضئيلاً قياسا بما يمكن أن تستعيد إيران من أموالها المجمدة والتي تختلف التقديرات حولها بين ماية مليار ومايةٍ وخمسين مليار دولار. هذا طبعاً دون الحديث عن الآفاق التي ستنفتح على مستوى الاستثمارات الغربية والعالمية داخل إيران بعد عزلة طويلة جدا عن النظام والسوق العالميّين.

سواءٌ اعترف الأميركيون أم لم يعترفوا فإن مخاوف دول الخليج حقيقيّةٌ حيال ما يمكن أن يمنحه الاتفاق الأميركي الإيراني من إمكانات ضخمة ليس هناك أي ضمانة في عدم توظيف إيران جزءا منها في تعزيز توسعها الجيوبوليتيكي إلا طبعا ضمانة اتفاقات سرية غير معلنة مع واشنطن وبالمقابل استعداد ذاتي خليجي لإظهار قدرة دوله على الدفاع عن نفسها.

بين هذين الحدّين ظهر “مبدأ أوباما” شديد الوضوح في قمة كمب ديفيد من الناحية النظرية. فقد درجت العادة مؤخراً على توصيف “مبدأ أوباما” بأنه الامتناع عن التدخل العسكري البري المباشر أي خوض الحروب البرّية بعد حرب العراق والتدخل الجوي أو في عمليات محدودة خاصة في حال مواجهة خطر إرهابي كبير. ثم عرّفه الرئيس أوباما بنفسه لتوماس فريدمان في مقابلته الشهيرة معه بعد توقيع اتفاق الإطار بأنه”سنلتزم ولكنْ سنحتفظ بكل إمكاناتنا”. أما في كمب ديفيد، وللمرة الثانية، ارتسم “مبدأ أوباما” على الشكل التالي: ضمان أميركا لأمن حلفائها ضد أي اعتداء خارجي وعدم التدخل العسكري في النزاعات الداخلية.

المشكلة التي ستشغل المراقبين هي معايير تمييز الحروب بين داخلي وخارجي في زمن تطغى فيه على منطقتنا للمرة الأولى في تاريخها المعاصر بهذا الشكل حروب داخلية هي في الوقت نفسه حروب بالوكالة في الصراع الإقليمي.

” مبدأ أوباما” قد يساعد في ردع بعض الأزمات في الشرق الأوسط ولكنه قد يحمل أيضا التباساتٍ كثيرةً وبالتالي أزماتٍ أكثر. فهل سيكون الاتفاق مع إيران عاملَ استقرار إقليمي أم عامل ضبط وإدارة “فوضى” إقليميّة ؟

أيٌّ من وجهَيْهِ هو “تاريخنا” الآتي؟

ولذلك كل المخاوف طبيعية وضروريّة.