IMLebanon

أي خيارات يملكها قطبا الصراع في لبنان وماذا عن رهاناتهما للمرحلة المقبلة؟

مشهد ما بعد انفتاح ابواب المواجهة بين السعودية وبعض دول الخليج وبين “حزب الله” سيلقي بظلاله الثقيلة الوطأة على الوضع اللبناني لفترة طويلة بحيث بات على هذا الوضع التعايش مع ازمة تعلو وتنخفض غب الـطلب، ومن عناوينها العريضة:

– عدم قدرة كل الاطراف الداخليين على الانفكاك من أسر هذه الازمة وموجباتها، اذ سيظلون يدورون في فلكها الى اجل غير مسمى.

– اصرار هؤلاء الاطراف على المضي قدما في عملية المواجهة التي اختاروها حتى النهاية ورفضهم التجاوب مع مساعي التهدئة.

– عجز الاطراف الذين يتصدون عادة لمهمة تدوير الزوايا ولعب دور الوسيط واقتراح المبادرات التسووية، وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، عن اجتراح حلول في ظل احتدام المواجهات الاقليمية المفتوحة، حتى ان الاخير بات لا يملك اي فرصة للفعل باستثناء اطلاق الدعوات الى ضبط النفس والاستمرار في عملية تمايز معلن لها بطبيعة الحال حدودها ومفاعيلها حين تحين ساعات الحسم والكلمة الفصل.

– انفتاح الوضع الاقليمي، وتحديدا في الساحة السورية، على مرحلة جديدة تنطوي على احتمالات مستقبلية لحسم مسارات الامور سياسيا وتفاوضيا بعد تحولات عميقة في الميدان بددت رهانات وابعدت آمالا وطموحات بنيت كلها على ارضية تقدم سريع لمجموعات المعارضة.

وحيال ذلك، فان السؤال المطروح هو: ايّ توجهات وآفاق مفتوحة أمام قطبي المواجهة في الداخل، اي “تيار المستقبل” و”حزب الله ” خلال المرحلة المقبلة ؟ واستطرادا ما هي مواد هذه المواجهة وما تنطوي عليه من مفاجآت؟

لا بد من الاشارة استهلالا الى ان الحزب ينطلق من فرضية انه بات يمتلك فرصة القدرة على الهجوم، وان خصمه هو في موقع الدفاع والتراجع . وبمعنى آخر بات (الخصم) في موقع الصمود للاحتفاظ بآخر مواقعه خصوصا ان زعيم “التيار الازرق” لم يعد امامه الا العودة الى الداخل والمكوث فيه وبذل اقصى الجهد لاستعادة ما خسره من نفوذ ودور ابان فترة منفاه الطوعي وهو ليس بالقليل. وعليه فان “التيار الازرق” مضطر، وفق دوائر على صلة بالحزب ، الى ان يمحور فعله خلال الفترة المقبلة على الآتي:

– ان الانتخابات الرئاسية وطي صفحة الفراغ الرئاسي دانية القطوف وهي مسألة وقت، وهذا من شأنه ان يجسد ضمنا امرا اساسيا هو ان ثمة مرحلة سياسية بمواصفات مختلفة تلوح في الافق. وعليه فان الخطاب السياسي للرئيس سعد الحريري سيتركز من الان فصاعدا على الحديث تكرارا عن مخاطر بقاء الشغور الرئاسي ولفت الانتباه الى المواعيد المضروبة لجلسات انتخاب الرئيس في مجلس النواب على اساس انه سيكون حدثا مفصليا حاسما ، وهو مضطر الى ان يتمسك بترشيح رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية رغم ان الاخير سيظل على موقفه المعلن وهو مقاطعة جلسات الانتخاب ما دام حلفاؤه وفي مقدمهم نواب “حزب الله” لن يحضروا الى ساحة النجمة في المواعيد المحددة لتأمين النصاب الدستوري لانعقاد جلسة الانتخاب.

– التركيز على امرين احدهما مستجد وهو الحيلولة دون تفاقم توتر العلاقات الخليجية – اللبنانية من خلال الدعوة الى وقف الحملات السياسية على السعودية ، والاخر قديم وهو مسألة مشاركة “حزب الله” في ميادين خارجية في مقدمها الميدان السوري وإدراج ذلك في خانة الاذية للبنان ولعلاقاته بدول الخارج ولا سيما الدول الخليجية.

– بالاجمال سيسعى الرئيس الحريري وتياره الى تطويع الداخل اللبناني ليتقبل حراكا كثيفا سيقوم به غايته فرض امر واقع يكون هو فيه صاحب الامر والنهي بحيث يملأ الشغور السياسي من جهة ويسد السبل امام الطرف الاخر من جهة اخرى، مستعينا بالاحتياطي المسيحي خصوصا حزب الكتائب وبعض المسيحيين المستقلين.

– السعي الى تفعيل حضور الحكومة من خلال العمل على اعلاء صوت رئيسها تمّام سلام واعلانه تكرارا رفضه تهميش دورها سياسيا واجرائيا من خلال التلويح المستمر بامكان استقالته احتجاجا واعتراضا.

اما عما يملكه “حزب الله ” من عدة وامكانات للمواجهة والتاثير والرد، فان الحزب يعيش الان شعورا فحواه انه نجح الى حد بعيد في امتصاص مفاعيل الهجمة الخليجية الشرسة عليه من خلال ادراجه على لائحة المنظمات الارهابية، وقد تجلى ذلك اكثر ما يكون من خلال اعلان تيارات واحزاب وقوى وحتى حكومات عربية رفضها هذا الادراج، ومن خلال شروعه في حملة مضادة اعلامية وسياسية على مستوى الشارع استدعى فيها كثيرا من محطات خلافية تاريخية ضرب عنها صفحاً طوال عقود عدة خلت ، إذ ثبت لدى الحزب انه ما يزال يقبض على شبكة علاقات لا يستهان بها.

وبالعموم ابلغ الحزب متصلين به انه ليس في وارد الانكفاء او التراجع وخفض منسوب نبرته العالية ، وتاليا فهو ماض في هجومه السياسي والاعلامي غير مبال بالدعوات التي وجهت اليه وحضته على التهدئة ومراجعة حساباته بعدما بالغت في رفع وتيرة الاضرار والسلبيات التي يمكن ان تصيب البلاد عموما من جراء هذا الفعل والسلوك.

ولا ريب في ان الحزب يعتبر ان خصمه المحلي هو في وضع المحتاج الى التعايش معه تحت مظلة حكومة واحدة وطاولتي حوار والبحث عن قواسم اخرى كون ذلك مقدمة لازمة لأي توجه مستقبلي يمكّن هذا الخصم من ضمان العودة الى دست الحكم ، خصوصا انه لم يعد يمتلك ترف التخلي عنه تحت اي ظرف من الظروف بعد التطورات الاخيرة.

في اختصار، ان لدى الحزب قراءة جوهرها ان سببا اساسيا من اسباب صموده هو انه لم يعبأ بمحاولات تخويفه اذا لم يستكن ويهادن.