IMLebanon

أي الشوارع السياسية الأكثر تأزّماً بفعل تداعيات أحداث عرسال؟

بصمت مرت حادثة ازالة متظاهرين متماهين مع التشدد في ساحة سعد نايل البقاعية لصورة كبيرة لاحد الاقطاب السياسيين كانت مرفوعة من زمن بعيد لتوضع بدلا منها صورة بالحجم نفسه تقريبا لأحد ابرز القيادات التكفيرية الخارجية.

على رغم ان هذه الحادثة اللافتة حصلت قبل نحو عشرة ايام الا ان ثمة من ظل يرصدها بدقة ويتوقف عند دلالاتها ليقرأ من خلالها طبيعة التحولات والانزياحات في احد الشوارع السياسية اللبنانية وهو شارع “تيار المستقبل” في ضوء التطورات الدراماتيكية المتسارعة التي حدثت خصوصا في الاشهر الثلاثة المنصرمة على نحو اثارت معه دوائر القرار في قوى 8 آذار جملة تساؤلات عن مستقبل الوضع في هذا الشارع وعن سبل التفاعل معه باعتباره الشارع الموازي الذي ينبغي التعايش معه. لا يمكن اي مراقب ان ينكر ان هذا الشارع كان اكثر المتفاعلين مع الحدث السوري منذ انطلاقته خصوصا في الشمال عموما وفي بعض انحاء البقاع. والتفاعل اياه بلغ ذروته في الاعوام الثلاثة الاولى لاشتعال فتيل الازمة على الساحة السورية وتحديدا عندما كانت المناطق السورية تتساقط سريعا بيد قوات المعارضة كثمرة ناضجة. وقد سرت معادلات توازن جديدة عنوانها العريض: لمن الامرة والكلمة الفصل في هذا الشارع؟ أهي للزعيم الابرز وشبه الحصري اي “تيار المستقبل” ام للتيار المتشدد النامي بسرعة قياسية على وهج النيران السورية والحديث المتصاعد عن قرب سقوط النظام في دمشق ؟

في ذلك الحين سرى اعتقاد فحواه ان التيار المتصاعد لن يستطيع مهما جمحت طموحاته واحلامه ان يسحب يوما ما بساط الريادة والزعامة من “تيار المستقبل” الذي يمشي واثق الخطوة معتبرا ان هذا النمو سيظل محدودا بقواعد لعبة دقيقة تقوم على امرين اثنين: الاول ان حراك المتشددين وجلبتهم يظهران بشكل او بآخر اعتدال “تيار المستقبل” ووسطيته من جهة، والثاني يستفيد ضمنا من هذا الحراك في اطار جمع اوراق القوة. لعبة المساكنة هذه اخذت مداها في طرابلس وجربت في صيدا ايام ظهور حالة الشيخ احمد الاسير وفي عرسال وبلدات اخرى.

في اوساط دوائر القرار في8 آذار كانت ثمة قناعة جوهرها ان “تيار المستقبل” يستفيد من حراك التيار المتشدد في شارعه بأوجه متعددة، فهويمثل فزاعة لخصومه عبر القول لهم: هذا هو بديلنا ان مضيتم قدما في رحلة معاداتنا واخراجنا وتكسير مجاذيفنا من جهة، واظهار عدم اعتدالنا من جهة اخرى. وفي الاوساط عينها ثمة قراءة متجددة في ضوء التطورات المتدحرجة التي اعقبت اشتعال الوضع في عرسال وانفتاح باب المواجهة على مصراعيه بين الجيش من جهة والمجموعات التكفيرية، لا سيما بعد اسر هذه المجموعات عددا من العناصر الامنية واتخاذهم مادة لابتزاز الساحة اللبنانية والتلاعب بتناقضاتها وتمزقاتها الداخلية الى اقصى الحدود. القراءة تقوم على جوهر اساسي وهو انه بات على “تيار المستقبل” ان يبذل جهودا مضاعفة لكي يثبت بالملموس انه ما برح السيد الحصري لساحته كما في السابق، في حين ان التيارات الاخرى النامية في حضنه قد اخذتها النشوة بفعل التمدد “الداعشي” السريع الى درجة انها بدأت تجاهر برفع رايات تنظيم “داعش” و”النصرة” وتثبت لمن يهمه الامر انها صارت صاحبة حيثية لا يمكن الاستهانة بها مطلقا، وانها في طريقها لحجز مكان خاص لها في الساحة اللبنانية ولم تعد لاجئة عند احد.

وتنصرف الدوائر عينها في هذه الفترة الى اجراء تعداد للتداعيات السلبية التي افرزتها التطورات الاخيرة ولا سيما تطورات عرسال على قيادة “تيار المستقبل” وتتوقف خصوصا عند ما حدث وما يمكن ان يحدث في طرابلس ان لجهة التصدعات التي ظهرت على “كتلة المستقبل” النيابية هناك لا سيما بعد خروج اثنين من اعضائها المعروفين بمواقفهما المتشددة، وان لجهة الممارسات التي تقوم بها مجموعات محسوبة على التيارات المتشددة حيال القوى الامنية والتي ذهبت الى حد القتل والاختطاف لساعات والتعذيب وسلب السلاح الاميري. اضافة الى ذلك ثمة معلومات لدى الدوائر نفسها تتحدث عن لائحة قيد الاعداد ستضم عددا من المعروفين بتشددهم قرروا خوض الانتخابات النيابية المقبلة مستقلين عن “تيار المستقبل” وهو ما يعني ان زمن الافادة المتبادلة بين الطرفين قد ولى وبدأ في المقابل زمن فصل الشراكة، الامر الذي سيكون له انعكاسات على مناطق اخرى. وترى الدوائر عينها ان تداعيات الحدث العرسالي قد انعكست ايضا على مستويات اخرى داخل التيار، وتتوقف في هذا الاطار عند التناقض البيّن في مواقف بعض وزراء التيار حيث دأب احد هؤلاء على اعتبار عرسال بلدة محتلة من المجموعات الارهابية داعيا الى التعامل معها على هذا الاساس، في حين ان موقف زملائه في التيار لم يصل اطلاقا في مقاربته للحدث العرسالي الى هذا الحد وهو امر لا يمكن انفصاما في المواقف واختلاطا في الرؤى داخل الاطار السياسي الواحد. وعلى خلفية هذا المشهد المشحون بالتناقضات تبني الدوائر عينها مشهدا آخر في الفترة المقبلة يقوم على الآتي :

– ان كل الشوارع السياسية في البلاد تعاني حالة تأزم بفعل تداعيات الحدث العرسالي وبفعل الاسر المتعمد للجماعات الارهابية للوضع اللبناني. لكن الراسخ بالنسبة الى هذه الدوائر ان شارع “المستقبل” يعيش اكثر من سواه المأزق، فهو في صدارة الحكومة وعليه ان يقدم اجابات مقنعة وجدية لأهالي العسكريين المأسورين وللمعنيين بالامر.

– في الوقت عينه، يتعين على هذا الفريق ان يأخذ في الاعتبار حساسية الوضع ودقته في شارعه ولا سيما وضع المتطرفين فيه الذين بلغت الجرأة بهم حد رفع اعلام “داعش” وازالة صور كان محرماً قبل فترة قصيرة التجرؤ على فعل كهذا. الى ذلك، ثمة تغيرات في المواقف والمصطلحات، اذ لم يعد بامكان هذا التيار او سواه ان ينكر وجود “داعش” وخطر التكفيريين والزعم ان الوضع اللبناني على قدر عال من الحصانة وان لا بيئات حاضنة لمثل هذه التيارات المتطرفة، لا سيما بعد نشوء التحالف الدولي لجبه “داعش” والارهاب بقيادة الولايات المتحدة، وبعدما اكد رئيسها ان خطر “داعش” اكبر من تقديرات اجهزة الاستخبارات الاميركية. وعليه لم يعد بالامكان القول ان “داعش” كذبة كبيرة خلقها البعض لمآرب في نفسه.